فهد بن جليد
برأيي أنَّ أصعب ثقافة يمكن تغييرها، هي ثقافة استهلاك الناس للمياه، المسألة حائرة ما بين الطبيعة والتطبع، عندما ينظر الناس إلى الماء (كمنتج رخيص) ضمن ثقافتنا المحلية، بوصف شيء رخيص أو سهل بأنه (رخص الماء)، ولا يجب أن ننسى هنا ردة فعل الرأي العام السعودي عام 2016م على ارتفاع فواتير المياه.
في معظم البلدان لا يشعر المستهلك النهائي عادة (بالرحلة) التي قطعتها قطرة المياه قبل أن تصل إليه، ولا كم هي كلفتها الحقيقية..؟ ولعل المواطن السعودي الذي يُنظر إليه ضمن (أكثر) الأفراد في العالم استهلاكاً للمياه، أحد أشهر النماذج في هذه المُعادلة، نتيجة ثقافة سنوات طويلة من استهلاك المياه المحلاة (والمدعومة) بأسعار رخيصة جداً حتى من قبل قطاعات تجارية وصناعية وزراعية.. والحمد لله أن رؤية المملكة 2030 لم تغفل هذا الأمر، وللمُساعدة في نجاح الخطوة بعيداً عن أثر الكُلفة ورفع الدعم، ما أحوجنا إلى دور ديني ووطني مُنتظر (لتصحيح مُستدام) لثقافة استهلاكنا للمياه وعدم التبذير، يبدأ من المنزل والمدرسة والمسجد، حتى لو بقي الماء رخيصاً في كلفته..
هناك تباين بين الحاجة والإسراف في التعامل مع المياه في كل الثقافات تقريباً، ولعل مشهد الناس المُتناقض على طرفي (النيل) خير دليل -كما رويت لكم بالأمس- وهذا يجعلنا نتذكر دوماً أن هناك من لا يُبالي بكمية (استهلاكه) كفرد، ولا بكلفة قطرة المياه التي تصل إليه؟ وأثر ذلك على الصورة الوطنية لقضية (شح المياه)؟!.
القاسم المُشترك بين الناس الذين يتعاملون بطرق مُختلفة مع المياه وأهميتها بالقرب من منابع النيل، أنهم يشعرون بالقلق من توقف تدفق المياه (يوماً ما) بسبب استهلاك دول المصب -حسب رأيهم- ودون النظر إلا ما يُسببونه هم من خطر، وعلى النقيض من ذلك يبرز تخوف دول المصب (التي تهمل النيل عند عبوره أراضيها) من المشاريع التي تدور رحاها في الجنوب حيث المنابع، والتي تهدد وقف تدفق المياه ووصولها إليهم..
هل لحظت أنّ في كلا المشهدين شمالاً وجنوباً ثقافة (هدر غير مُبررة) لا تتوافق مع تخوفات كل طرف..؟!.
وعلى دروب الخير نلتقي.