عبدالعزيز السماري
لم يتغير الوضع الصحي كثيراً برغم من تعاقب الإدارات للخدمات الصحية وتراكم القدرات والخبرات البشرية، وهو ما يدل أن المشكلة تكمن في التنظيم الإداري للقطاعات الصحية العامة وفي الجانب الأخلاقي للخاصة.
فالهدر المالي على هوامش القطاع الصحي العام لا زال يتجاوز تكاليف الخدمة الصحية، ومن خلال رؤية شاملة قد تتضح الصورة، فالتنظيم المركزي للخدمات الصحية يزيد من تضخم الأعباء الإدارية وتكاليفها، ويحول الأمر برمته إلى مكتب كبير لشكاوى المواطنين، بينما يستدعي الأمر تغييرا كاملا في هيكلة القطاع الصحي، وإعادة قراءة لمسألة أخلاقيات المتاجرة بالمرض وحالات الطوارئ في القطاع الخاص.
ومن أجل أن تكون الصورة أكثر وضوحاً تتحمل في الوقت الحاضر المستشفيات الكبرى والمتخصصة تقديم الجودة الصحية برغم من معاناتها المادية، بينما تستمتع المستشفيات الخاصة بمهمة تحصيل الأرباح المادية من خلال المتاجرة بأزمات الناس الصحية، ولهذا تفتح هذه المستشفيات أبوابها لاستقبال الحالة الطارئة، وهي غير مؤهلة لتقديم هذه الخدمة المتخصصة جداً.
ما يؤدونه من خدمات طبية غير مؤهلة هدفه المال فقط، ولهذا يحرصون على التعاقد مع قدرات طبية متواضعة في بوابات الطوارئ، وذلك لزيادة هامش الربح المادي، والهدف المادي الصريح في حد ذاته فيه مخالفه لأخلاقيات العمل الطبي، ويجعل من المستشفيات الخاصة كارثة صحية تستحق الدراسة من قبل الجهات المخولة.
في الدولة المتقدمة تنحصر مهمات القطاع الخاص في تقديم خدمات التجميل والأسنان وغيرها من التخصصات التي لا تتطلب خدمات إسعافية وطارئة، ولكنها تندرج تحت الخدمة الصحية الاختيارية، ولهذا من الخطأ الجسيم في إصابات حوادث السيارات وإسعاف الأمراض الطارئة أن تنقل سيارات الهلال الأحمر المرضى إلى غرف طوارئ المستشفيات الخاصة.
قد يحتاج الأمر إلى أيام، أو ربما إلى ساعات لاكتشاف مستوى تدني الخدمة الطبية في غرف الطوارئ والعناية الصحية في المستشفى الخاص، وعندها تبدأ رحلة المعاناة في البحث عن سرير في مستشفى حكومي متخصص، وإذا لم يكن للمواطن طريق إلى ذلك، ستحل الكارثة في نهاية الأمر، وتبدأ ترتيبات العزاء.
لا بد من مراجعة المتاجرة بالمرض والحالات الصحية الطارئة، وذلك حتى لا تتحول معاناة الناس وأمراضهم الطارئة إلى متاجرة وحسابات مالية تخلو من أخلاقيات الطب ومهامها الإنسانية، وإذا كان لا بد من وجودهم، فعلى وزارة الصحة أن تفرض معايير صحية عالية المستوى من أجل تأهيل هذه المستشفيات لاستقبال الحالة الطارئة أو يُمنعون من استقبال الحالات الطارئة.
كم أتمنى أن تبدأ فعلاً الوزارة في مشروع لفحص جودة وملاءمة غرف الطوارئ ومراكز العناية المركزة في المستشفيات الخاصة، ثم فرض العقوبات على إخلالها بمعايير الجودة الصحية الدولية، وقد تصل الوزارة إلى الحقيقة المرة، لو فرضت تطبيق تلك المعايير.
المفاجأة أن التجار سيتوقفون عن تقديم العناية الصحية، لأنهم يدركون أن عند تقديم المستويات المقبولة نوعاً ما من العناية الصحية يختفي هامش الربح، وقد تتحول الأرقام إلى السالب، وسيدركون أن تحقيقهم لهامش ربح كان سببه اقتصاد غير مبرر في التكاليف الضرورية جداً لتقديم قدر معقول من العناية الصحية.
ما يجري من متاجرة بالمرض في البلاد هو غير صحي وغير أخلاقي، وهدفه تجميع أموال المحتاجين لهذه الخدمات وقت الضرورة القصوى، ويتطلب الأمر إعادة النظر، ودراسة حلول مجدية للخروج من هذا النفق، ومنها أن يتم تحويل المستشفيات الخاصة الكبرى والهادفة للربح إلى مستشفيات غير هادفة للربح، وذلك من أجل معالجة الجانب الأخلاقي في استغلالها للأزمات الطبية والصحية في البلاد.
في نفس الإطار تتحول المستشفيات الحكومية والمتخصصة إلى أيضاً مراكز طبية غير هادفة للربح المادي، وهو ما يفتح الباب للتبرعات وقبول تأمين الشركات الكبرى، وفي هذا المسار المزودج قد تتم المعالجة الأخلاقية لقضايا استغلال كوارث المواطن الصحية من أجل هامش أكبر في الربح المادي، وأيضاً لمسائل العجز المادي في المستشفيات المتخصصة.