د. عبدالواحد الحميد
تعتبر الطرق السريعة التي تربط بين معظم مدن ومناطق المملكة من أكثر الطرق اتساعاً واستيعاباً للحافلات والمركبات الصغيرة والكبيرة وذلك بالمقارنة مع مثيلاتها في أغلب دول العالم. فباستثناء بعض الطرق القليلة التي ربما تكون ما زالت بحاجة إلى توسعة وتحسين، نجد أن معظم الطرق التي تربط مدننا ومناطقنا مزدوجة وفسيحة. ومع ذلك، فهذه الطرق ما زالت كما السابق مسرحاً للحوادث الدامية التي يصعب تبريرها.
ومن المؤكّد أن طرقنا الطويلة تفتقر في الغالب إلى محطات الخدمات الجيدة، وأن المسافر يعاني أشد المعاناة حين يحتاج إلى أبسط الخدمات أثناء سفره مثل المطاعم ودورات المياه النظيفة، وحتى المساجد التي على الطرق الطويلة أصبحت بكل أسف مرتعاً للمفترشين الذين لا يراعون قدسية المكان ولا يلتزمون بالحد الأدنى من أدب التعامل مع المساجد. لكن هذه السلبيات الواضحة والشديدة لا تعني أبداً أن الطرق الطويلة بين مدننا ليست جيدة من حيث الاتساع واستيعاب المركبات التي تسلكها.
إن سبب الكثير من الحوادث عندنا ليس الطرق نفسها وإنما الأخطاء البشرية، وقد كنا في السابق نشتكي من السرعة المتهورة وعدم صيانة السيارات وخصوصاً المكابح والإطارات لكننا الآن أضفنا لها انشغال السائق بهاتفه الجوال. ويبدو أن هذا العامل وحده صار في مقدمة أسباب الحوادث التي تقع للسيارات داخل وخارج المدن.
وهذا بالضبط ما حدث منذ أيام للحافلة التي كانت تُقِل بعض المعتمرين وهي في طريقها بين المدينة المنورة وتبوك. فطبقاً لرواية مدير مرور منطقة تبوك فإن سبب الحادث الذي أودى بحياة أربعة معتمرين وإصابة أكثر من أربعة وثلاثين معتمراً هو انشغال سائق الحافلة بجواله، مما أدى إلى خروج الحافلة إلى المسار الآخر ثم انقلابها!
إن استخدام الجوال أثناء القيادة ليس مجرد مخالفة صغيرة كما يظن بعض المتهاونين وإنما يتجاوز ذلك وقد يصل إلى حد الجريمة عندما يتسبب في إزهاق حياة الآخرين. ومن الغريب أن بعض سائقي الحافلات وسيارات النقل العام لا يتورعون عن استخدام الجوال غير مبالين بحياة الركاب الذين تقلهم تلك المركبات.
نعم هناك جهود للتوعية بأخطار استخدام الجوال أثناء القيادة، كما أن هناك عقوبات لمن يتم ضبطه وهو يرتكب ذلك الفعل، لكنَّ هذا كله لا يكفي؛ بدليل تزايد عدد الحوادث التي تقع بسبب الجوال.
نريد من المرور أن يتصدى لهذه المشكلة الخطيرة، وأن تكون العقوبات رادعة وقوية، فاستخدام الجوال قد لا يقل خطورة عن قطع الإشارات الضوئية الحمراء التي يكاد يتفق الجميع على أنها بمثابة انتحار وجريمة قتل عندما تتسبب في وقوع الحوادث المميتة.