د. خيرية السقاف
حين يكون المفسدون كثراً في المحيط من حولك, حتماً لن تستطيع وحدك أن تطهرهم, إن لم يصل الجميع لاستقطابهم في عمل مضاد, من خلاله تبث فيهم قيم الأمانة, والنزاهة,
ويخضعونهم للدربة في شأن التخلص منه..
كُثْرٌ يقولون: إن «من شبَّ على شيء شاب عليه», وإن جرت هذه المقولة على بعض ما يتعوّده المرء فيديمه, ويدوم عليه معاً, إلا أن الجهاد في أمراض النفوس يأتي ثماره بالدربة..,
إذ كل سلوك يُراد التخلصَ منه ويُخضع للدربة, مع بث المفاهيم الصحيحة لكسب القناعات الثابتة, تأتي نتائجه عالية الإيجابية..
لا يُفسدُ كل المفسدين لأنهم يرغبون في الفساد عينه, وهم يدركون ما يعنيه الفساد, إنما يفسدون لأنهم حين يفعلونه مغيَّبٌ الفسادُ عن حضوره في وعيهم,.. إلا الأشرار الذين تقودهم أهدافهم, وتخطط لهم, وتنتقي غاياتهم لهم شكل, وهيئة, وأداة فسادهم..
كأي مطلب حيوي مرتهن بالواقع المتوثب, في حراك الصياغات المقننة للنقلة النوعية لمتغيّر واقع الحياة, ولشكل تفاعل الإنسان فيها, ضمن منظومة مجتمع مدني نابه لكيفية صناعتها بحيث تكون معاشاً آهلاً بالرضا, والطمأنينة, والسلام, فإن مطلب التطهر, والتنقية من الفساد تحت مظلة القانون, والنظام, حاضر بقوة, وينبغي أن يبدأ بالنفوس البشرية, وهي التي تتلقى جرعات من المفاهيم, والحقائق, والقيم, والمعارف, والعموميات, والقواعد, والأسس, من المرغوب فيه, ومن المرغوب عنه, مما يُنتظر من نتائجه في سلوك الأفراد, وأفكارهم, وقناعاتهم, وأفعالهم, وعلاقاتهم بكل جزئية لها مساس بما لهم, وبما عليهم, وبما منهم, وبما لغيرهم, سواء ضاق وتعلّق بذات المرء, أو اتسع فبلغ حدوداً خارجة عنه..
والبدء بالنفوس لا يتأتى حصاده كما يؤمَّل إلا حين تكون جرعات التطهير كما جرعات الدواء, والدربة عليه كما التدريب لمهارة رياضية, أشبهها في البدء بصعود الجبال...
فالفساد حين يعترض هؤلاء في منعرجات الطرق, أو يخزهم في همزات الضعف, فإنه مدحور لن يقوى عليهم, لأنهم قد أدركتهم المفاهيم, وتوطنت فيهم القيم, وبني في داخلهم السد المنيع دون تسلله, أو السماح لوثوبه أن ينفذ.
إن الفساد كائن ينبغي أن يموت!..