د.دلال بنت مخلد الحربي
أَجد نفسي أمام موضوع سبق وأن تكلمت عنه كثيرًا وهو تطوير كتابة التاريخ بمعنى تطوير منهج كتابة التاريخ، عشرات المقالات السابقة التي ركزت فيها على طرح دراسات جديدة تعتمد على مصادر أولية لم تستخدم بشكل واسع أو على نحو جيد منها الوثائق المحلية ودوريات مثل أم القرى والقبلة وصوت الحجاز.
«إعادة الاعتبار للحدث ضرورة لبناء تاريخ جديد» مقولة أعيد تكرارها بإعادة النظر للحدث، وإعادة الاعتبار له بنظرة ثانية وثالثة، وهو المنهج الذي نريده، منهج متطور لكن له جذر إسلامي منها منهج أهل الحديث الذي يعتمد على الفحص والتدقيق لقبول الإسناد، ومنهج معاصر عند الأوروبيين الذي يعتمد على التحليل والنقد، وليس النقل والسرد دون أي معطيات.
من الكتب التي اطلعت عليها مؤخرًا وفيها حداثة في المنهج واستخدام للمعلومات وتوظيفها لقضية معينة كتاب «كتابة التاريخ في المملكة العربية السعودية. العولمة والدولة في الشرق الأوسط» لمؤلفه يورك ماتياس ديترمان، الذي زار المملكة عدة مرات، والتقى بعدد من المؤرخين السعوديين المعاصرين واطلع على وثائق ودوريات ومؤلفات ثم بنى رأيه على ناتج كل ذلك، مستخدمًا التحليل وفق رؤيته - التي اختلف مع بعض منها- وفي جوانب كانت مثيرة.
الكاتب يقرأ أعمال المؤرخين السعوديين المعاصرين من الخارج وهو نموذج لتطور المنهج وتحليل ما ينتج عنه من تشويق للقراءة، وهو ما نفتقده إلى نماذجه في أعمالنا المعاصرة.
أعد الكتب بمنزلة التقييم وملاحظة التطور لكتابة تاريخ المملكة ومع ما أكَّدت عليه سابقًا في اختلافي مع المؤلف في جوانب من آرائه. إلا أنه يُبين الحاجة الملحة إلى تبني منهج جديد لكتابة التاريخ وأيضًا توجيه بوصلة الاهتمام إلى نوع من الدراسات وهي الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تنل جانب الاهتمام الذي تستحقه مسايرة للمعاصرة وحاجة الفترة الراهنة إليها كمرتكز لأمور عديدة.