تركي بن إبراهيم الماضي
سخرت صحيفة نيويورك تايمز برسم كارتوني في 2014 من البرنامج الفضائي للهند، حيث أظهرت فلاحا هنديا يمسك ببقرة ويطرق باب نادي دول النخبة الفضائي، ويظهر الرسم الرجال الجلوس بداخل النادي ينظرون للهندي بغرابة!
وبعد ضغوط مارستها الجالية الهندية في الولايات المتحدة، اعتذرت الصحيفة عن هذا الرسم الكاريكاتوري المهين!
السخرية الحقيقة هنا، أنه بعد ثلاث سنوات أطلقت الهند 104 أقمار صناعية، المفارقة هنا أن 96 قمرا منها تملكها شركات أميركية !
لم تكن هذه المرة الوحيدة التي تسخر فيها أميركا من كل ما هو غير أميركي. إعلامها وصناعة الأفلام والترفيه فيها، ترسم الصورة النمطية لثقافات العالم بشكل بشع جدا. كانوا يسخرون من الآسيويين (تحديدا سكان جنوب شرق القارة) بأنهم كلهم متشابهون، وفعلوا أيضا بالعرب والأفارقة والمكسيكان ما هو أسوأ من ذلك، بل إن أهل القارة العجوز، نالهم من السخرية نصيب أيضأ، من الفرنسيين إلى الانجليز، وحتى أقصى الشمال الأوروبي.
هل الأمريكي وحده المتفرد في هذا المجال؟
الصحيح أن كل من على هذه البسيطة -إلا من رحم الله- يسخر من الآخر، أيا كان هذا الآخر، ولا يردعه، أن يكون هذا الآخر ينتمي لنفس العقيدة والثقافة واللغة، فالسخرية لا تعرف ابن العم ولا الخال!
وأهل - الضاد - يتماهون مع خلافات دولهم فيما بينها، ولا يكاد بلد عربي إلا وهو يرى بلدا عربيا آخر مثالا للنكتة والتندر. وليس من قبيل جلد الذات، أن تكون هذه السخرية، ملاذا لتحقيق انتصار معنوي، حتى ولو كان بذيئا!
كنت في زيارة بلد عربي، وإذ اختلفت مع سائق سيارة الأجرة، يقول لي وهو يغادر: «يا عرب»!! كنت أشعر بأنها شتيمة، استنادا لتعابير وجهه الغاضبة، لكن الكلمة لم تكن كذلك، نعم أنا عربي، فما الذي يعيرني به سائق سيارة الأجرة؟. في المساء التقيت بأحد الأصدقاء، رويت له ما حدث، قهقه ضاحكا، وأكد لي أن كلمة «عرب» تعني أنها شتيمة في بلده، لأنها ترمز للعرب سكان البادية، وهي إشارة للتخلف والهمجية!!
هل كان سائق سيارة الأجرة فريدا في سخريته؟
في عالمنا العربي، كما في كل العوالم الأخرى. السخرية جزء شيطاني من الحراك الإنساني، ولولا هذا الجزء لكان عالمنا أقرب إلى المثالية. أقول ذلك للذين يتحسسون من السخرية، ويشعرون بأنهم وبلدهم مستهدفون على الدوام، من كل سكان الكرة الأرضية.
التجاهل والإعراض، هو الممر الآمن لمواجهة كل من يروج لأي سخرية. أما من يقرع طبول الحرب عليها، فإنه يزيد من توهج السخرية، ويعلي من قيمتها وشهرتها!