د.محمد بن عبدالرحمن البشر
العمالة الوافدة، قدمت للعمل مقابل أجر، طبقاً لعقودٍ موقَّعة، وكان لزاماً على الطرفين الالتزام بما وافقَ عليه الطرفان، وبعض من هؤلاء الوافدين الكرام، يعملون بجد واجتهاد ويقدمون ما يستطيعون تقديمه طبقاً لقدراتهم والمبالغ التي يحصلون عليها، وبعض منهم قد لا يكون قادراً أو مجتهداً بالقدر الكافي الذي يناسب مع ما يستلمه من مال، وهنا يستطيع صاحب الخدمة الاستغناء عنه، واستبداله بآخر، يقوم بتقديم جهد يناسب الأجر الذي يدفعه مدة الخدمة.
هذا أمر معتاد ولا إضافة جديدة فيه، لكن بيت القصيد هنا هو ما يستوجب على طالب الخدمة - وهو المواطن السعودي - من التزامات مالية وأخلاقية، وقبل ذلك شرعية.
مؤلم حقاً أن نرى ونسمع بعضاً من التعاملات المالية التي قد تكون مجحفة في حق العمالة والتي قد تصدر من عدد قليل جداً من الناس، لأن الغالب ولله الحمد يجتهد في الالتزام بالعقود، وحديثنا اليوم حول تلك الفئة القليلة، بدرجاتها المختلفة، فإعطاء الوافد حقه المالي في وقته دون تأخير، واجب شرعي، وأخلاقي وقانوني، وهذا العمل ليس منه، وإنما هو حق لا مراء فيه، وواجب شرعي وأخلاقي.
أمر آخر ألا وهو التعامل الإنساني، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، ويكفينا ما قاله من عمل لديه مثل أنس بن مالك، أو من تعامل معه من المسلمين وغير المسلمين.
من المحزن ألا يُعطوا كفايتهم من الطعام والشرب، من حيث الكمية والنوعية، فمن الواجب إطعامهم من قوت أهل البيت، إن كانوا يعملون في المنزل، أو بما يكفيهم لمن يعمل في داخل المنزل وخارجه، كما أن من الواجب تقديم الخدمات الصحية لهم، وإعطاؤهم الراحة الكافية حال مرضهم.
الابتسامة والكلمة الطيبة، تثلج صدر القريب، والصديق، والزميل، فما بالك بتلك التي تمنح لمن يعمل عندك، وهو يشعر أنه أقل شأناً، كيف تبلغ الكلمة الطيبة سويداء القلب، وتبلغ لدى تلك الفئة مبلغ البلسم الشافي لبعد الدار، والأهل والجوار، ما أجمل السلام عليهم كل صباح، وتحيتهم في المساء عند الرغبة في الخلود إلى النوم، وشكرهم، على كل عمل يقوم به، فلا ضير من تكرار الشكر، على كل صغيرة وكبيرة، والثناء عند القيام بعمل جيد، كل ذلك يؤدي إلى مزيد من الاجتهاد لدى العاملين، وقبل ذلك نحسبها - إن شاء الله - تقرباً لرب العباد، الذي فضّلنا على كثير من خلقه، وهو الخالق المدبر للكون، ومرور الأفلاك.
لن ننسى أن بعضاً من الأجداد في أزمنة مضت قد غادروا بلادهم طلباً للقمة عيش، تسد رمق جائع، وليس لمزيد من الثراء والمال، عمل البعض منهم عمالاً، وغواصين، وتقاضوا ثمناً قليلاً على نظير خدمة الغير في منازلهم، فعلينا ألا ننسى ذلك، وهو في عمر الزمن قليل.
ما أجمل العفو من صاحب اليد الطولى لمن أخطأ، فهب أنهم قد أذنبوا أفلا يكون لديك مثل ما طلبه ابن زيدون من ابن جهور، حيث يقول: «ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوك، والجهل الذي لم يستغرقه تطاولك، والتحامل الذي لم يف به احتمالك، ولا أخلو أن أكون بريئاً فأين العدل، أو مسيئاً فأين الفضل؟».
إلاّ يكن ذنب فعدلك واسع
أو كان لي ذنب ففضل أوسع
هذا قول ابن زيدون الوزير، لابن جهور حاكم قرطبة، فكيف لا نقرأ مثل هذه الكلمات الرائعة في عيون من يعملون لدينا، وهم الذين تركوا أولادهم، وفارقوا والديهم، وغادروا ديارهم، طمعاً في قليل من المال، يطعمون به أفواهاً جائعة، وذرية في العلم طامعة، ليزرعوا أشجاراً يانعة، قد يصل إليك نصيب من ثمارها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
نحن نعلم جميعاً أن بعضاً منهم، وهم قليل مقارنة بأعدادهم، قد يقدم على عمل غير حميد، ومثل هؤلاء لن يكون لهم مقامٌ، ولكن من صلح عمله فلا بد من إعطائه حقه المالي، والتعامل الإنساني، وهذا ليس سوى تطبيق لما أمر به الله سبحانه وتعالى عباده، وهو ما سار عليه أصحاب النهج الصالح والسيرة العطرة، عبر العصور، وفقنا الله وإياكم للإنصاف وحسن الخلق.