محمد آل الشيخ
دأب بعض النقاد، خاصة اليساريين منهم، في محاولاتهم لتلمس أسباب الإرهاب برد السبب لبواعث سياسية واقتصادية، وأنها -كما يقولون- ردة فعل طبيعية على فشل الأنظمة السياسية العربية.
وأنا هنا لا أنفي أن هذا السبب قد يكون سببًا من ضمن أسباب، إلا أن السبب الأهم والرئيس، هو مشكلتنا مع (التراث الموروث). هذا السبب في تقديري هو العائق الذي يقف في طريق الحداثة، والاستفادة من إنجازات الآخرين، ممن سبقونا في مجال التطور والتنمية الشاملة. أن نُلقي بالسبب على النظم السياسية فقط، ونتجاوز التراث المتكلس، يعني أننا سنظل نراوح في مكاننا؛ ثم حتى ولو افترضنا -جدلاً- أن الأنظمة السياسية هي السبب الرئيس، فإن هذه االأنظمة لم تهبط علينا من المريخ، وإنما هي إفراز بيئة كبلتها أغلال التراث الموروث، وأدت في النتيجة إلى قيام هذه الأنظمة.
كما أن من الأسباب التي تجد آذانًا صاغية لدى الكثيرين من العرب لتبرير تخلفهم، وتبرئة الأنا الموروث التراثي، إلقاء مسؤولية الإرهاب على الآخر الغربي، إما بالقول إن هذه الحركات الإرهابية كانت نتيجة (مؤامرة) تم تصميم أجندتها، وحياكة خيوط شبكاتها، في غرف استخبارات الغرب (الكافر)، أو أن الإرهاب جاء كردة فعل على (تغوّل) وظلم الأنظمة الغربية، واحتلالها اقتصاديا للبلدان العربية، ومصادرة ثرواتنا، والتمكين لأنظمة تقمع شعوبها، فضلا عن عداوتهم التاريخية للإسلام والمسلمين.
اختلاق العدو، وإسقاط أسباب تخلفنا عليه، عادة فكرية عربية (عريقة)، منتشرة انتشار النار في الهشيم في تلافيف تراثنا؛ وقد استغلتها جماعات التأسلم السياسي، ومنها استطاعوا أن ينفذوا إلى ذهنية ووجدان الإنسان العربي المسلم، لتكريس هذه السببية، وكأنها المبرر الأول والوحيد لتخلف العرب وتقدم غيرهم عليهم حضاريا.
سيد قطب -مثلا- ردد هذا الموال في مواضع كثيرة من مؤلفاته، وتمادى في تشويه الثقافة الغربية، بنسبتها إلى (الجاهلية)، مستدعيا في مرافعاته التضليلية مصطلحًا مكروها في الوجدان العربي، وهو حال العرب قبل الإسلام، الأمر الذي جعل هذه المقولة لدى العرب تلقى آذانا صاغية، وهم يغرقون حتى آذانهم في وحول التخلف والهزيمة الحضارية؛ ولا أدري كيف تكون حضارة الغرب (جهل وجاهلية)، ومركباتها العملاقة تمخر عباب الفضاء لتتجول بين الكواكب؛ غير أن الإنسان المتخلف المهزوم، يبحث دائما عن سبب حتى وإن كان أوهى من بيت العنكبوت، ليبرر به إخفاقاته.
الإرهاب -يا سادة يا كرام- منتجٌ عربي أصيل، تغذى من تراثنا، وشرب حتى الثمالة من معين تأسّن مع الزمن من مقولات أسلافنا؛ وطالما أننا (نُقدس) أساطين هذا التراث، وما يقولون، ولا نقبل نقدهم، ولا طرح تراثهم للبحث والنقد والتمحيص، والقراءة العقلانية المجهرية، والمجردة من العواطف، فلن ينتهي الإرهاب؛ ربما تنتهي داعش مثلما انتهت القاعدة أو تكاد، لكن ستنبثق حتما حركة جديدة، قد تكون أكثر عنفا وشراسة من الحركات الإرهابية التي قضينا عليها.
إلى اللقاء