من الظواهر الطبيعية التي تحصل في بعض البلدان هي ظاهرة العمالة الوافدة، وهي قيام فئة من الناس بعملية هجرة مؤقتة من البلد الأم أو استقرار دائم في بلد آخر، وذلك لعدة أسباب من أهمها البحث عن فرصة الحصول على العمل، أو بسبب الحروب، أو لأسباب اجتماعية، أو بسبب دعوة من جهة صاحب العمل للاستفادة من خبرات ومهارات العامل.
وهذا بلا شك يعود بنفعها إيجابًا في بعض الحالات على الدولة المستضيفة من الناحية الطبية والاقتصادية والعمرانية والتعليمية وغيرها من الجوانب التي من أجلها استقطب هذا العامل.
وكما أن هناك منافع إيجابية، هناك أيضًا بعض الممارسات السلبية التي يجب أن نشير إليها والمتمثلة في التعدّي على العمالة الوافدة، من خلال التلفّظ بالكلام البذيء، أو الإهانة، أو الضرب، أو ممارسة الظلم من خلال تأخير مستحقات العامل المالية وسلبها منه، ومن المؤلم مع الأسف أن بعض الحالات يكون الخلاف فيها بسبب موضوعات تافهة وبسيطة، وذلك مما يخالف تعاليم ديننا الحنيف الذي ينصّ على احترام حقوق الآخرين، وإعطاء الأجير حقه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفي منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري. وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وكما أمرنا أيضًا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه). إضافة إلى أن هذه السلوكيات تخالف الأنظمة الأمنية وتجرم مثل هذه الأفعال المشينة، كما أنها تسيء إلى سمعة البلد، وتشوه صورته الحضارية والإسلامية وهي بلا شك لا تمت لتعاليم الإسلام بشكل عام، أو أخلاق المجتمع السعودي بشكل خاص.
وبالنظر إلى هذه السلوكيات الخاطئة نجد أن هناك صفات مشتركة بين مرتكبيها، أولها سوء التربية من خلال تأثير أحد الوالدين والاقتداء به، وقلة الوعي، وجهل واستخفاف بالأنظمة، وضعف الوازع الديني، واستئمان من العقوبة، وهذه بلا شك عوامل ساعدت في وجود هذه السلوكيات الخاطئة وأدت إلى انتشارها، وهذا مما ينعكس سلبًا على رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى أن تصبح المملكة بيئة جذب واستقطاب، وأمان لزائريها وسكانها. كما أن الأنظمة القانونية في البلاد تكفل حرية الأفراد، وممارسة حقوقهم بكل يسر وأمان دون التعرض له، أو التسبب في إيذائه.
ولمعالجة هذه السلوكيات يجب أولاً على الوالدين تربية أبنائهم على كيفية التعامل الحسن مع الآخرين، وأن يكونا خير قدوة لهم، كما يجب على وزارة الثقافة والإعلام القيام بحملة إعلامية مكثفة لتوعية المواطنين ببيان أهمية التصدي واستنكار هذه السلوكيات والحد منها، كما يجب على المؤسسات التعليمية توعية الطلاب وخصوصًا النشء بضرورة احترام حقوق الآخرين، ونبذ العنصرية، كما أن لوزارة الشؤون الإسلامية دورًا مهمًا في توجيه أئمة المساجد، وذلك في توعية المجتمع من خلال خطب يوم الجمعة بضرورة التحلي بتعاليم الإسلام، ومخافة الله سبحانه في التعامل مع الآخرين. كما أقترح أن يتم تخصيص رقم مجاني من قبل الجهات الأمنية لاستقبال بلاغات وشكاوى العمالة الوافدة والذين تعرضوا للظلم أو التعنيف، ووضع كاميرات مراقبة في المراكز الخدمية من محلات التموين، والصيدليات، والمحطات وذلك للحد من هذه السلوكيات وضبطها.
ختامًا يجب علينا تذكر أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وأن الله سبحانه قادر أن يغير من حال إلى حال، وأن دوام الحال من المحال، وأن نستشعر أن هذا المقيم قد اغترب عن وطنه وعائلته للبحث عن رزقه، وفيه من الهموم ما الله به عليم، فلا نكون بسلوكياتنا الخاطئة والتعامل السيئ حملاً عليه، بل يجب أن نتحلى بتعاليم الإسلام والتعامل بالأخلاق الحسنة لنكون واجهة حضارية مشرفة وسبب في دخول الآخرين للإسلام.