في مرحلة التحولات الكبيرة أو ما بعد الحداثة، لجأ الباحثون والعلماء إلى دراسة التيارات والاتجاهات الفكرية الدينية منها والمادية، إلا في حالة السلفية على الرغم من ضخامة التراث السلفي وكثرة الموضوعات وتوافر مصادرها، إلا أن دراسات نقد السلفية ما زالت متواضعة وضعيفة، سواء من داخل التيارات الإسلامية أو من خارجها من العرب والغرب، وهذه الإشكالية في التغاضي عن نقد السلفية قد يفسد المعمار السلفي ويصعب ترميمه بسبب البعد عن نقده.
وقد يظن السلفيون أن فلسفة السلفية ونظرتها الطوباوية هي من جعلها في مأمن عن نقدها وإلباسها لبوس الحقيقة المطلقة والمقدسة، هذا وقد استبقت السلفية نقادها وخصومها بوصف نفسها أنها (الفرقة الناجية) بتفسيرها الضيق لحديث (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) الحديث. وهذا الوصف جعلها بمنأى حتى أن تتقاطع مع التيارات الباقية وتعلو عليهم، ووصف كل من خالفها بالمبتدعة حتى ولو استدلوا بدليل صحيح على بعض المسائل وبناء على هذا كل نقد يتعرض للسلفية لا يعدو أن يكون زندقة وعداء الذي يفسر صمود وبقاء السلفية وتماسكها التاريخي لا يدل على قوة وصلابة معمارها، ولكن الفضل يعود للمجددين منها بداً من الإمام أحمد بن حنبل، مروراً بشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، نزولاً للإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمهم الله جميعاً-، وهذه الحالات من إصلاح وترتيب البيت السلفي لم تقم على جهود مؤسساتية بل فردية، ولم تقم جهود جماعية للإصلاح الداخلي، ولكن إيمانها ببعث من يجدد لها دينها جعلها تؤمن (بالرجعة) وستنتظر السلفية أن يهب لها الله مجدداً كل مائة عام، كم يعتقدون حتى يعيد ترتيب البيت السلفي ويرمم معماره ويقودها لمائة عام أخرى!!
الغريب أن المؤسسات السلفية أشغلت نفسها بصراعات داخلية وخارجية، وقضايا هامشية لا تعني ولا تغير في الواقع شيئاً، بل تزيده سوءًا وتصدعاً.
أما خلق المعوقات وصنع سياج ديني وسياسي واجتماعي على أبحاث نقد السلفية سيكلفنا ثمناً أغلى من ثمن مكاشفة خلل السلفية ومحاولة ترميمه، وما يجري في الأبحاث الأكاديمية في أروقة الأقسام الشرعية أو المؤلفات الشرعية أو الدروس والمحاضرات هي بعيدة تمام البعد عن الواقع وتحدياته، وهذا الفصل يدل على فلسفة (علمانية) لجأ إليها السلفيون للصمود وكسب المزيد من المنتمين إلى أن يبعث الله لهم من يجدد لهم دينهم. وإن ادعى داعٍ أن تراث السلفية كبير وعريض وسيطول في بحثه ودراسته ونقده، علينا على الأقل أن نقدم الأهم فالمهم، ونأخذ على سبيل المثال:
1 - قضية الآخر المسلم والآخر غير المسلم.
2 - ومبدأ تقديم رأي المتقدمين على المتأخرين حتى في المسائل المعاصرة.
3 - قضية المواطنة والدولة الحديثة.
4 - قضية المرأة المعاصرة وليست المرأة في عصور الخلافة الراشدة أو الدولة الأموية أو العباسية.
لو كان قومي يفقهون واستقرأوا في تاريخ المذاهب والأديان لعلموا القصد من هذا!!
- عبدالله بن إبراهيم النغيثر