لم يظهر أدب يحمل السمات المعبّرة عن تطلعّات الجماهير, إلّا في مطلع القرن العشرين, ذلك أن كل ما جاء فيما سبق هذه الفترة إنما كان آراء وأفكارا لبعض المتنورين من العرب من أمثال الطهطاوي وأحمد أمين وكانت المسؤولية الأدبية وفق هذه الظروف مناطة بالشخص المبدع, الذي وجد في نفسه المشعل الذي يتوجب عليه أن يضيء الطريق لفئات الشعب الأخرى والأمر الذي استوجب أن تتضافر جهود الأدباء في شفي الأدب والشعر والنثر لتكوين الكلمة قادرة على استيعاب الحياة وقضاياها الوجودية الكبرى.
وبذلك أمكن للنثر أن يواكب الشعر في إعادة صياغة مشكلات الحياة وما فرضته المعاصرة ليقوم النثر بدوره المدافع عن اللغة العربية في مواجهة الدعوات المناهضة لها والادعاء بتقصيرها عن التعبير عن العصر وما أفرزته التكنولوجية في العصر الحديث, فكانت الأجناس الأدبية من قصة ورواية ومقالة التي نشطت بشكل كبير في مستهل القرن العشرين لتكون التعبير عن الآراء والأفكار وتأكيد بأن اللغة العربية قادرة على أن تكون لسان حال العصر وترجمان أفكاره وإعلام تطلعاته. وكان للثورة الصناعية في الغرب أثرها الهام في أذكاء التجربة الأدبية فانتشار الطباعة, واتّساع دائرة قرائها فتح الباب على مصرعيه أمام قرائح الكتاب ليعبروا عن آرائهم وأفكارهم فكانت المقالة أهم ميادين الكتابة التي حاول الكتاب والأدباء أن يعبّروا من خلالها عن تلك التطلعات للجماهير من خلال رؤيتهم للواقع وتحسّس الألم الجمعي المشترك وهم يسعون إلى بناء أفق مستقبلي أرحب يُعبر عن الأمل بالغد المشرق.
ومن هنا كانت المسؤولية الأدبية تحتم على الأديب أن يتفاعل مع الواقع بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية خصوصاً بعد التلاقح الثقافي مع الغرب وانفتاح العرب على الغرب مع وجود الطباعة وازدياد حركة الترجمة ما ساعد في وصول الفكر الغربي إلى المثقفين العرب بيسر وسهولة وسرعة الأمر الذي أسهم في خلق البيئة للتأثير في الفكر العربي فبرزت أسماء كثيرة من الشعراء من مثل أدونيس وخليل حاوي والسياب والبياتي وحجازي وغيرهم في الجانب النثري من أمثال يوسف إدريس وعبد السلام العجيلي ونجيب محفوظ وحنا مينة و زكريا تامر.
وهكذا بدأت الحركة الثقافية تشهد بروز إيديولوجيات متنوعة بتنوع مصادرها المعرفية وخلفياتها الثقافية. ومع مطلع السبعينيات بدأت المسؤولية الأدبية تتخذ اتجاهاً جديداً نتيجة الأحداث السياسية التي فرضتها طبيعة المواجهة مع العدوين الفكري والوجودي, لتكون مسؤولية الأديب مضاعفة في محاربة كل ما هو متخلف من داخل المجتمع والعمل على تغيره والنهوض به ومواجهة خارجية مع أعداء العروبة الذين يعملون على طمس الهويّة وتبديل الانتماء. فكانت المسؤولية الأدبيّة تحتم على الأديب أن يلتزم قضايا الأمّة وهو يتطلع إلى تحرير الإنسان من انغلاقه الذاتي والأرض من محتل خارجي.
- د.طامي دغيليب