- قد يلحظ غيري كما لاحظت ميل شريحة لا يستهان بها من كتاب المقالة إلى أن تطغى أحاديثهم الذاتية أو مواقفهم الحياتية على محاور أفكارهم ومواد أقلامهم واستمدادهم، ولا بأس في هذا ابتداءً، فهو – بصورة أو بأخرى – ظاهرةٌ ثقافية بحتة، لكنها ربما كانت تستحق الوقوف عندها واستقراء شيء من دلالاتها، ليس بالضرورة في سبيل النقد لكن للاستقراء وحسب.
- لا تتوقف هذه الظاهرة - في الحقيقة- على ممارسة كتابة المقالة، ولكنها ظاهرةٌ ملحوظة على كثير من السياقات التواصلية الثقافية، المباشرة وغير المباشرة. يعمد أحدنا مثلًا في حوار مباشر أو موقع تواصل إلى سرد حدث أو موقف شخصي معين يراد منه تعزيز جانب الفكرة التي يذهب إليها أو يرمي إلى تأكيدها. مرةً أخرى، هذا السلوك الثقافي لا إشكال فيه ابتداءًِ، لكن ربما يكون الإشكال في التساؤل التالي: هل يحقق تناول الذات – استمرارًا واستمراءً – غايته الموضوعية؟! أو: ما مدى درجة ذلك على الأقل؟ هل ينبي طغيان الانغماس في سياق الذات عن ظاهرة ثقافية صحية – أو طبيعية على الأقل – أم عن خلل ثقافي سلوكي؟! فإن يك خللًا، فهل هو ناتجٌ عن أثر فردي نابع من ذات المرء نفسه أم هو تأثير اجتماعي نابع من ذات مجتمعه؟ ثم ما دلالات ذلك على التعاطي الثقافي سواءٌ للفرد أم مجتمعه من جهة العمق والسطحية والكثافة وعدمها؟!
- وكذلك ربما حسن مع مناقشة فحوى الطرح مناقشة دلالاته وانعكاساته على كل من المتلقي والمُلْقي، فخارج نطاق الموضوعات التي تستدعي الاعتماد على رصد سجل أحداث الذات وإحداثها، كالسير ونحوها، ماذا تعني سيطرة الذات على هاجس الكاتب والناقد بحيث تكون إناءه الذي يغترف منه كل مرة وجعبته التي يستفرغها في كل شاردةٍ وواردة بمناسبة أو دونها؟ هل يوحي الواقع في هذا السلوك ضمنًا بثراء تجربته وإثرائها وكفاءتها وكفايتها لتمثل مناقشة موضوعية لأمر ما؟ هل ذلك تعبيرٌ عن نرجسية كامنةٍ بصورة غير تقليدية أم إنه محض إفلاس ضاقت فيه يد المتعاطي عن الإمداد وقصرت عن الاستمداد فتحول بذاته إلى مداد؟! هل يمكن أن يعد هذا السلوك إشارة موضوعية إلى استهلاك ممارسة ذاته الثقافية والفنية والفكرية؟ هل يقبل المتلقي عن وعي أو غير وعي بإيحاء الوصاية والاستعلاء والتعالي الذاتي هذا أم يرفضه وينفر منه بوعي أو دونه كذلك؟ وسواءٌ أكان الجواب إيجابًا أم سلبًا، فأي نوع من الذاتية يجذب المتلقي أو يستبعده؟ وأي أنماطها الذي يستنفره قبولًا أو امتناعًا؟
- خارج نطاق السيرة والسيرورة.. هل يصح للإنسان - وإن يكن الجوهر - أن تكون ذاته أبدًا المحور؟!
- بين ذات تغذي الموضوع وأخرى تتغذى بالموضوع الانعتاق من أسر محيط الرؤية إلى رحابة المدى وتحليقٌ بهالات المداد إلى الآفاق.
- كلما اتسعت رؤية الذات الموضوعية ضاقت عبارتها عن ذاتها*!
- علي الجبيلان