كانت كل المسافات تنطوي على صمتٍ غير مقنع، وكل المسامات المؤدية للقناعة في ذلك المسمى بالسيد فكر مغطاة برقعة هلامية، تنجرف مع أول تيار يسود ويتسيّد في مدن الضوضاء، لأن القناعة هنا لم تكن مبنية على فكر واستقراء، ولأن الجواب يظل في العدم حتى يدخل السؤال حيز التكوين، والكل يستوحش من (السؤال) المسكين، رغم أنه الأصل في العلم والتعلم، بينما الإجابة بغض النظر عن صحتها من عدمها هي الفرع الأصيل!
ولأن الوحشة والتوحش قد انتقلا من صدور قوم مستوحشين، إلى أصل السؤال (بالعدوى) فقد سكنت الوحشة عمقه وأطرافه، حتى خشيت أن أطرح سؤالاً حول الكيفية التي تغلب بها الفرع على أصله، فانقلبت الآية بين الوجود والعدم فصار الموجود عدماً والعدم موجوداً على كل حال!
إن الإدراك ليس إلا ما انطوى عليه وعينا الذي يبنى بتلقين المعلومة، سواء كانت صحيحة أم مغلوطة، ولم نكوّن إدراكنا بطريقة الحوار والاستنتاج والشك والتحليل، لذلك انعدم المنطق في كثير من الأشياء التي أخذناها على وجهها، وآمنا بظاهرها دون النظر إلى مبناها، حتى إذا انكشف الخافي بمحض صدفة أو أي أمر عارض، وظهرت الحقائق التي كنا نؤمن بها، عرفنا أن السخافة ليست فيما كنا نقتنع ونؤمن به، بل في عقولنا التي رفضت وأعرضت عن السؤال!
تقول الكاتبة روان الوابل: «لا يمكن أن أكتب لك خطوات صناعة الوعي، ليس لدي سوى أن أطلب منك أن لا تكف عن السؤال، وأن تبحث كثيراً، وأن تسمح لنفسك بأن تتمرد قليلاً!»
إن التمرد هنا ليس إلا تمرداً لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وعودة الأصل ليكون أصلاً لا يخالطه ريب العدم، بينما يعود الفرع لممارسة دوره الحقيقي في تنوير وتبصير كلاهما مبني على رغبة باحث أو متعلم أو حتى (متمنطق) كما يحب بعض المتوحشين من السؤال تسميتهم!
فلنسأل تمرداً،
فذلك أدعى أن لا تعمى بصيرتنا.
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @