هل كانت بؤر التوتر وعلى رأسها (إسرائيل) موجهة ضد الاتحاد السوفيتي السابق أو من يسير في فلكه؟ إذن لماذا بقي الرأسمال يغذي ويسمن هذه البؤر بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي معاً؟
لقد كشف الصراع العالمي منذ انتهاء الحرب الثانية عام1945 حتى يومنا هذا، أن بؤر التوتر بقيادة (إسرائيل) موجهة ضد شعوب العالم أجمع، والهدف الرئيس لهذه البؤر هو قمع أي حراك جماهيري للخلاص من الهيمنة الاستعمارية أو الرأسمالية عموماً. فما هي نتيجة هذه البؤر بالرغم من كل الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها وترتكبها؟
اندثر الكثير منها في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وما بقي منها يتقلص نفوذاً وأهدافاً، ولكن ماذا عن (إسرائيل) التي صهرت اللاهوت والعنف في بوتقة واحدة، وكانت رأس حربة لكل بؤر التوتر منذ تأسيسها؟
كانت (إسرائيل) تحلم بجغرافيا تمتد من النيل إلى الفرات، ثم انحصرت وراء جدار شيدته بنفسها، وعسكرياً كانت تمتلك (الجيش الذي لا يقهر) الذي لا يمكن أن ينسحب من جغرافيا احتلها، فانسحب عام 2000 من الأراضي اللبنانية دون شروط واعترف بالهزيمة في لبنان 2006، وكذلك في جورجيا 2008، ثم في غزة 2008-2009 و2012 و2014 وما خفي ربما أعظم.
سياسياً أصبحت التساؤلات في الرأي العام العالمي -بما فيه الأمريكي- تثار حول شرعية وجود إسرائيل ولماذا يدفع المواطن الأميركي والاوروبي وغيرهم من قوته اليومي دعماً (لإسرائيل)؟ كما يطرح الرأي العام الإسرائيلي ذاته سؤالاً ملحاً: هل يمكن لإسرائيل الاستمرار بالوجود؟
بيد أن الولايات المتحدة أدركت منذ حرب 1973 أن مقدرة (إسرائيل) على الحفاظ على لصوصية الرأسمال تتراجع، فأنشأت قوات التدخل السريع عام 1979 لكي تؤمّن تلك اللصوصية وخاصّة خطوط امداد النفط، ولكن هذه القوات وهي نخبوية خرجت جثثاً من العراق، وهي على وشك الانسحاب كذلك من أفغانستان، ولم ينفع حتى التخفي من الهزيمة النكراء في حلب، حيث يفاوضون الحكومة السورية، عن طريق روسيا وإيران لإنقاذ قواتهم النخبوية، التي تسللت تحت عنوان مستشارين لدعم المعارضة.
بعد كل تلك الهزائم ينبري البيت الأبيض لإنهاء الدور (الإسرائيلي) لهدفين، أولا: الاستمرار بهذا الدور يؤدي إلى منح القطب المضاد للتوجه الأمريكي، الذريعة الكافية لسحب (شرعية الوجود الإسرائيلي) والقضاء المبرم عليه، ثانياً: إبقاء (إسرائيل) للقيام بهذا الدور القذر هو عبء اقتصادي وسياسي على الولايات المتحدة وحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وغيرهما، وهو في الوقت ذاته أصبح ليس ذا جدوى. ولكن هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟
بالرغم من الكلام الحميمي الذي قاله جون كيري مدحاً (لإسرائيل)، إلا انه اعترف ان موقف الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة بخصوص قرار اعتبار الاستيطان غير شرعي هو (حماية لإسرائيل من نفسها). وهو بالفعل محاولة للإيحاء لنتنياهو بأن اللعبة انتهت ويجب عليك القبول بالتسوية قبل أن يبلغ السيل الزبى.
الكيان الإسرائيلي لا يختصر بنتنياهو، فهو حلقة من حلقات مافيوية تسلسلت منذ 1948، أما صاحب القرار الرئيس هم الصهاينة الذين تربوا شوفينياً على أنهم أرفع من البشر في كل العالم، ولهم الحق الإلهي بالقتل والتنكيل وإبادة القاصي والداني من شعوب العالم واغتصاب أراضيه وخيراته.
هل يستطيع مثل هؤلاء قبول الامر الواقع والذهاب نحو تسوية؟ وإذا كان لابد من التسوية هل يستطيع الخونة من الفلسطينيين الاحتفاظ بمقاعدهم لدى الشعب الفلسطيني العظيم وتسويق التسوية؟
- د. عادل العلي