نادية السالمي
هناك كتب يجب أن تتخلص منها وتحرقها.. هذا ما سقط سهوًا من حسابات وحروف فرانسيس بيكون حين قال: «هناك كتب تحتاج للتذوق، وأخرى يجب أن تبتلعها دفعة واحدة، وأخرى تحتاج إلى مضغ وهضم». نعم، هناك كتب يجب بالنار أن تحرقها وتستمتع، وتشعر بأنك مناضل انتقم لوقته الضائع وماله المهدور فيما ليس منه طائل.
يا معشر المؤلفين والمؤلفات، أما سمعتم أن الوضع العام للبلاد عنوانه التقشف! فتقشفتم في زرع حروفكم وبنائها حتى حملتها الأوراق، وخرجت تواجه الدنيا بمسمى كتاب... وأي كتاب؟!
سمعت كما سمعتم، وقرأت كما قرأتم، أن في الكتاب الكبار من يحثون الشباب على تأليف الكتب وإن كانت دون المستوى بزعمهم أن بهذا تنشط دور النشر، وحركة البيع، ويحدث التنافس بين المؤلفين ودور النشر، ويلقى الشباب ما يشغلهم ويفرحهم، بعيدًا عن عالم الإرهاب والدمار! وأنا لا أنكر حريتهم في إبداء آرائهم، ولكني أرفض هذا الرأي، ولا أوافقهم أبدًا تحت أي ذريعة.
لماذا تؤلف الكتب؟
لتحقيق مكاسب للكاتب كالشهرة، ولكي يصنف ضمن الأدباء؟ فبعض الموسوعات السعودية ترفض إدراج اسم أديب ليس له كتاب في السوق، وتؤلف الكتب ليستفيد المجتمع بالمعلومة، وتتحسن لغته، وليتعلم القارئ مبدأ، ولتستنهض فيه وعيه، وتبني له آفاقًا، ينطلق منها إلى آفاق جديدة، ولتنافس الكتب في مضمونها البلاد المجاورة، فتستضيف المحافل الثقافية في هذه البلدان صاحب الكتاب، ويرفع اسم بلاده. لكن شيئًا من هذا لم يحدث في غالب الكتب الجديدة للكتاب الجدد حتى من له كتابان أو ثلاثة منقوش عليها الطبعة الثالثة أو المئة، التي تعج بها رفوف المكتبة! أرفض عشوائية التأليف.. وهذه أسبابي:
لا تحرك المياه الآسنة، ولا تنبت أسماء جديدة ذات فعالية حقيقية جديرة بالضوء. لا تنافس الكتاب الكبار ولا تقترب من مستواهم، بل هي تنافس بعضها في السذاجة وسوء الطرح.
غالبية الكتب التي تُطبع للمرة الثانية والعاشرة لأباطرة مواقع التواصل الاجتماعي موجهة لذوي الثقافة المحدودة أو للمراهقين، وهي ذات أفكار مهترئة؛ لأنها استُخدمت مرارًا وتكرارًا.. كتب لا تقوى على القيام بحراك ثقافي، ولا تستطيع المنافسة على عرش الكتابة. وكأن هذه الكتب لمن لا يرغب في إهدار فكره في الأفكار العميقة؛ ما يعني أننا لا نستطيع أن نواجه بها الدول المجاورة ونقول هؤلاء شبابنا يمتازون بحسن النطق والمنطق.
كتب خُلقت من أجل الوجود لا أكثر، بل أقل.. أغلبها عن الحب وخواطره، وكأننا لا شغل لنا ولا هم ولا فرح ولا ترح إلا الحب.. فضلاً أن للحب لغة عميقة متسلسلة بتفرد الجمال حرفًا ومعنى، وهذه الكتب مغيبة عن هذا، وغارقة في سذاجة متناهية في الملل.
تعطي انطباعًا للأجيال القادمة لا يبشر بخير، وقد يورط المرحلة ويؤرخها بمسمى «الانحطاط».
محاولة لحل الأزمة:
الكتابة الإبداعية صعبة، حتى تلك الومضات التي تأتي جاهزة لا تحتاج منك إلا إلى تدوينها. كانت قد استنزفت تفكيرك في وقت سابق. الومضات والأفكار التي تطرق فكرك هي استجابة لمحاولاتك السابقة لمراودتها، لكنها ما جاءت إلا بعد نضجها في الوقت الذي حددته هي لا أنت؛ فلا تستعجل نضجك الفكري، ولا ترهق نفسك. غالبية الكتب السيئة هي للكتبة الذين يحظون بأعداد هائلة من المتابعين، وهم لا يتابعون إلا نزرًا يسيرًا من الكتاب الذين هم على نفس الشاكلة ونفس الخطى، والأجدر متابعة الكتاب الكبار ذوو الخبرة والخطى المنقوشة الموثقة في درب الكتابة، والاطلاع على الكتاب الأوائل الذين تربعوا على عرش البيان؛ فتزداد الذخيرة اللغوية، وتتعمق التجربة من خلال الإدراك لتجارب الآخرين؛ بالتالي يتحسن إنتاج الكاتب، وتتطور ذائقة المتابع له، وتظهر في المكتبات كتب على الأقل جيدة.