تقديم المترجم: هنا دراسة مشتركة للبروفيسور يورام ميتال والباحث موشيه ألبو نشرت عام 2014، قسم دراسات الشرق الأوسط، جامعة بن غوريون في النقب. وستشكل هذه الدراسة أحد فصول كتاب مترجم بعنوان «الأزهر والسياسة» (تحت الإعداد) أخطط لصدوره في عام 2018 بحول الله:
وبناءً على ما سبق، دعا محمود إلى تطبيق فوري للشريعة الإسلامية. وبالنسبة إلى محمود، فإن تطبيق العقوبات الإسلامية المعروفة بالحدود سيخفف من انهيار قيم المجتمع الذي تراجعت أخلاقه خلال سنوات الاحتلال الأجنبي «الفاسدة». فعلى سبيل المثال، سيؤدي نظام «الحدود» الصارم إلى انخفاض حاد في معدل الجريمة؛ لأنه سيردع الجناة المحتملين من انتهاك شريعة الله. وبما أنه من المستحيل للرئيس أن يشارك في كل التفاصيل الصغيرة لتطبيق الشريعة الإسلامية، يجب عليه تحديد المبادئ العامة وتفويض المسؤولية إلى المهنيين؛ ولكن يجب أن تقود الحكومة والبرلمان هذه العملية.
وفي الفتوى نفسها، انتقد محمود انتقادا غير مباشر بعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لسياسة الانفتاح التي تتعارض مع رؤيته الدينية ومع ما اعتبره واجب رئيس الجمهورية تجاه الأمة. وأوضح الإمام الأكبر الضرر الذي لحق بالأعراف الأخلاقية الإسلامية، نتيجة انتشار الأفكار العلمانية الغربية التي كانت تغير المشهد الحضري المصري بسبب انتشار دور السينما والنوادي الليلية والمسارح. ورسم محمود صورة ساخرة عن الفجوة العميقة بين التزام الحكومة بخلق بيئة صحية وبين انتشار العلمانية: «وكنت أفهم أن هناك رقابة على هذه الصور التي تعلق في الشوارع وعلى جدران المنازل مثيرة للغرائز، داعية إلى أفلام كلها رجس وفسق، ورقابة على الأفلام المثيرة للشباب الموجهة إليه إلى تحقيق غرائزه بصورة أو بأخرى. وأعود فأقول إن الرئيس وهو يعلن المبدأ العام مبدأ الإيمان لا يتتبع الجزئيات، وليس هناك قائد اجتماعي يعلن المبادئ ثم يضيع وقته لتتبع الجزئيات؛ فعلى كل فرد وعلى كل مؤسسة أن تستجيب لشعار الإيمان... ». انتهى كلام محمود. (31)
وبالنسبة إلى سياسة الانفتاح، أكد محمود أن اعتماد القيم المادية والرأسمالية في المجتمع المصري تسبب في انخفاض التأييد الشعبي لنظام التعليم الديني. وبالمثل، انتقد الحكومة؛ لأنها تعمل بسياسة «ذات وجهين»، حيث ترفع راية الإيمان من جهة، وتتخلى عن التعليم الديني من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، أشار الإمام الأكبر إلى أن التربويين كانوا يرفضون بشكل متزايد التعليم الديني وفي الوقت نفسه يثنون على الأطر العلمانية والمهنية والتكنولوجية. والحل، وفقاً لمحمود، هو رفع مستوى المضمون الديني وتمكين المؤسسات الدينية في جميع أنحاء البلد. (32)
وأشار الإمام الأكبر إلى بعض التطورات الإيجابية. فمن خلال بث برامج مثل محاضرات في الفقه الإسلامي، وأفلام تاريخية عن الإسلام، ومناقشات حول التفسير الديني، والإسلاميات، أدّت وسائل الإعلام المصرية دورا رئيسا في تعزيز الوعي الديني في المجتمع. (33) وبموازاة مع ذلك، حاولت المؤسسة الدينية إعطاء القيم والتقاليد الإسلامية مظهراً حديثاً؛ ولكن، كما أشار محمود، لم تكن وسائل الإعلام تابعة للأزهر أو خاضعة إلى أي شكل من أشكال الرقابة الدينية. ونتيجة لذلك، فإن مبدأ حرية التعبير أدى إلى نشر مضامين غربية علمانية غير مراقبة. (34)
وقدّم النائب الدكتور إسماعيل معتوق، في فبراير 1976، مشروع قانون لتعديل 56 بنداً في قانون العقوبات لتتفق مع الشريعة الإسلامية. وشمل إصلاح معتوق:
* بتر يد السارق،
* جلد المواطنين المدانين بارتكاب سلوكيات غير أخلاقية؛
* الشنق أو الرجم حتى الموت لمرتكبي الزنا والقتلة والمرتدين عن الإسلام. (35)
وبعد ذلك بفترة وجيزة، أرسل الشيخ محمود خطاباً مفتوحاً إلى سيد مرعي، رئيس مجلس الشعب (البرلمان)، ورئيس الاتحاد الاشتراكي (الحزب الحاكم)، يدعوهما إلى أن يصادقا على مشروع القانون فوراً، ثم بذل كل ما في وسعهما لتنفيذ الشريعة الإسلامية بالكامل. وباختصار، أشار الإمام الأكبر إلى أن مشروع قانون معتوق يمثل التطلعات الأصيلة للشعب المصري وإرادة الله. (36)
عبد الحليم محمود:
لا يجوز «مناقشة» مبادئ الشريعة والزعم بعدم صلاحيتها للعصر في البرلمان!!
ثم نشرت «مجلة الأزهر»، في عدد أغسطس 1976، رسالة مفتوحة من محمود موجهة هذه المرة إلى كل من رئيس البرلمان سيد مرعي ورئيس الوزراء ممدوح سالم كرر فيها موقفه حول الشريعة الإسلامية. وجادل محمود بأن الإسلام مُنزل من الله، ولذلك لا يجوز مناقشة مبادئه والزعم بعدم صلاحيتها للعصر في البرلمان. وأضاف بأن تطبيق الشريعة الإسلامية بكاملها واجب ولا يحق لأي شخص أن يختار منها ما يجده مناسباً له ويرفض بقيتها. وأكد محمود أن وظيفة العلماء، في نهاية المطاف، هي تقديم المشورة للنظام حول كيفية إدارة تطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق الغرض الإلهي. وختم محمود الرسالة بما يلي: شعبنا الذي يخشى الله اختار العقيدة الإسلامية، ورفع رئيس الجمهورية من شأن الالتزام بالإيمان والمعرفة الإسلامية عالياً عبر شعاري الرئيس المؤمن ودولة العلم والإيمان. أي أضرار لحقت بالفقه الإسلامي تقع مباشرة تحت مسؤولية المؤسسات القضائية الإسلامية وتحت مسؤولية أي شخص لديه القدرة على تنفيذ أوامر الله تعالى. ولا يحق لأي إنسان استخدام سلطته في حالة وجود نص شرعي أو أن يرفع صوته فوق صوت النبي. (...) لقد تابعنا المداولات التي جرت في البرلمان بشأن بيع الخمر، وصدمنا بالكلام الذي قرأناه حول هذه المسألة، بالرغم من وجود دليل ثابت من القرآن. ثم صُدمنا برؤية اقتراح لحظر ممارسة القمار في عُملة معينة والسماح به بعملة أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، تابعنا ما تنشره الصحف ورأينا كيف تُنشر قصص كاذبة تزعم بأن الفقه الإسلامي كان صالحاً لعصر تاريخي محدد فقط أي لفترة مؤقتة انتهت ولم تعد موجودة، ولذلك لا يمكن تطبيقه الآن. لقد أكد الأزهر دائماً أن أولئك النواب الذين يدعون إلى المساواة والحرية والكرامة والعدالة والمعرفة والثقافة والأخلاق، إلخ، في البرلمان سوف يأثمون حين يتعمدون معارضة تطبيق شريعة الله. (37)
يتبع
حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com