د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
ضمن فعاليات ورشة العمل الثامنة لمديري الجامعات السعودية التي عقدت تحت عنوان (نحو تحقيق رؤية المملكة 2030.. الكفاءة والاستدامة والمسؤولية في التعليم الجامعي) في 21-3-2017.
كانت دعوة وزير التعليم لمديري الجامعات السعودية إلى وضع أفكار وخطط جديدة لتطوير مؤسسات التعليم الجامعي، دون الحاجة إلى زيادة الإنفاق، منوها إلى التركيز على استدامة الإمكانات الحالية.
الغريب أن الورشة لم تكن تمتلك مبادرات على غرار المبادرات التي قدمتها القطاعات الحكومية أثناء عرض رؤية 2030 المملكة، فقط كان التركيز على مطالبة الجامعات على القيام بدور أكبر وأكثر فعالية في إعداد القوى العاملة اللازمة للتحول الاقتصادي المخطط له، كما تدعو أيضا إلى مزيد من التركيز على البحث والابتكار للمساعدة في تنويع الاقتصاد الوطني.
في الفترة الماضية نمت الجامعات تماشيا مع متطلبات التنمية في الدولة الحديثة منذ عام 1952 التي ظلت في حالة ركود بسبع جامعات مع مشهد القرن الحالي 2001 ثم قفز عدد الجامعات مع تنامي عدد الخريجين من التعليم العام حتى ارتفع إلى 33 جامعة منها 24 جامعة حكومية.
السعودية تمر بمرحلة تاريخية لتطوير اقتصادها وتنويعه اتجهت إلى إصدار رؤية طموحة 2030 ما يعني أن التعليم العالي شريك في تحقيق هذه الرؤية، أي اختيار الطلاب بعناية لخدمة هذا التحول الاقتصادي من أجل سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل، وسبق أن ركز الملك سلمان أثناء تدشينه بعض المشروعات بجامعة الملك عبدالعزيز بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيسها على الاهتمام بالتعليم باعتباره الأساس لأي تطوير للوصول إلى مصاف الدول.
وصل عدد الطلاب المقيدين في مرحلة البكالوريوس عام 1435- 1436 نحو مليون و2810303 طلاب شكل الإناث الأكثرية بنحو 662 ألفا بنسبة نمو عن عام 1431 بنحو 71 في المائة كان عددهم 750 ألفا، فيما بلغ عام 2015 إجمالي عدد الطلبة في التعليم نحو 5.55 مليون طالب وعدد إجمالي المعلمين 527 ألفا، بميزانية 217 مليار ريال بنسبة 25 في المائة من إجمالي الميزانية فيما رصدت الدولة في ميزانية عام 2017 نحو 200 مليار ريال.
كان عدد المقبولين بالجامعات السعودية عام 1437- 1438 تجاوز 264 ألف في 28 جامعة سعودية باستيعاب أكثر من 75 في المائة بجانب استيعاب 15 ألف طالب في جامعات وكليات أهلية، فيما استوعبت المؤسسة العامة للتدريب لنفس العام 46240 متدربا ومتدربة بزيادة 36 في المائة على العام الذي سبقه، لكن عدد المقبولين في الكليات التقنية التي تمنح درجة بكالوريوس كان العدد المقبول فقط 2513 طالبا، بينما يرتفع العدد في المعاهد التدريبية إلى 4268 متدربا بالشراكة مع القطاع الخاص للتغلب على ضعف مخرجات التعليم العالي أو عدم توافق تخصصاتهم مع متطلبات سوق العمل.
كنت أتمنى أن تقدم الجامعات مبادرات تؤدي إلى تقليص نسب القبول في الجامعات (حيث تنخفض نسبة قبول خريجي الثانوية في كوريا الجنوبية إلى 54 في المائة والنسبة الباقية تذهب إلى الكليات والمعاهد التقنية لتخدم سوق العمل) هذا إلى جانب توسيع القبول بالتخصصات المهنية الأكثر احتياجا في السوق السعودية، وتقديم مبادرات بالشراكة مع القطاع العام مثل أرامكو وسابك وبقية القطاعات الحكومية الأخرى كشركة الكهرباء وشركة سابك والاتصالات والبريد وغيرها.
بجانب توجه الجامعات نحو التوسع في قسم الدراسات العليا الذي يعتمد على توسيع البحث العلمي خصوصا أن التعليم العالي يشرف على 207 آلاف طالب مبتعث مع عوائلهم تصرف عليهم الوزارة نحو 22.5 مليار ريال، مثلما تحاكي الصين التجربة الغربية في تحويل الجامعات إلى مراكز للتقنية والابتكارات ليس فقط لتقليل الإنفاق على المبتعثين بل لتوطين التقنية ورفع مستوى البحث العلمي محليا.
لذلك يجب أن تكون أول مهمة هي منح الجامعات مزيدا من الاستقلال والحرية في مجال نقل التقنية والمعرفة ابتداء من اختزال الإجراءات الإدارية وصولا إلى مكافآت أصحاب البحوث الأساسية بطريقة تحاكي الأنظمة الجامعية في الغرب، وأن تكون جميع الإيرادات المكتسبة من التقنية التي يتم نقلها أو تطويرها ملكا للجامعات، بل يجب تقديم مكافآت مجزية حيال نقل التقنية أو تطويرها بما لا يقل عن 50 في المائة من إجمالي ما تم كسبه من أموال للمساهمين في تلك البحوث أيا كانت جنسياتهم حتى تتمكن الجامعات من اجتذاب الكفاءات والقدرات والباحثين من جميع أنحاء العالم.
هي مرحلة تتضمن نقل الموضوعات البحثية الواعدة والمهارات المعرفية والتقنية وطرق التصنيع التي تفرض على الجامعات إقامة شراكة مع القطاعات الحكومية كشركة الكهرباء وشركة سابك والتحلية والجبيل وينبع وأرامكو والقطاعات الصناعية وحتى الشركات العالمية التي تبحث عن فرص في السوق السعودي، خصوصا أنها تعتمد على تطوير التقنيات من أجل أن تجد بيئة جاذبة لتطوير منتجاتها بدلا من إنشاء مراكز أبحاث خاصة لتقليل التكلفة والقدرة على المنافسة.
أي أن الجامعات السعودية تنتقل من مرحلة تقديم المعلومات وتدريسها إلى مرحلة التطور العلمي والتقني والاستعداد لمرحلة المشاركة في التصنيع ومواصلة تطوير التقنية لإنتاج منتجات جديدة أو إجراء تطبيقات مختلفة لتعزيز الاقتصاد وتحقيق المزيد من الاستثمارات التي تتمكن من الإنفاق على نفسها تقلل من حجم الإنفاق الحكومي خصوصا إذا ما كانت لديها مشروعات ضخمة تتولاها الجامعة وتتحول إلى حواضن بحثية وإنتاجية تستثمر ابتكاراتها تجاريا بدلا من انشغال الجامعات في التصنيفات العالمية التي تصب في حصول مؤسسات التصنيف على أموال من الجامعات السعودية، وأن تحل محلها تصنيف وتقييم محلي متعدد لضمان الاستقلالية والحيادية، ولا مانع من أن يكون الاعتماد الأكاديمي نظرة أولية وأن يكون لفترة زمنية محدودة وليست لفترة زمنية طويلة كي يتم التأكد دوريا من سلامة الثقة التي يمنحها الاعتماد الأكاديمي ثم هناك بين الخصائص الحاجة إلى قرار حاسم بشأن التقييم.
حتى قطاع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني صحيح أنه قطاع يهدف إلى رفع نسبة القبول إلى 12.5 في المائة من خريجي التعليم العام عام 2020 مرتفعة من 7 في المائة في الوقت الراهن، فإنه لا يكفي إذا لم يتم ربط مخرجات هذا القطاع بحاجة سوق العمل وتحويل هذا القطاع من قطاع تدريبي إلى قطاع لتوطين التقنية في جميع المجالات من قطاع الاتصالات إلى قطاع الكهرباء والقطاعات التصنيعية والخدمية التي لا يمكن أن تقل عن مخرجات التعليم الجامعي بل قد يفوقه ويتفوق عليه في مجالات محددة.
يفترض أن يكون قطاع مؤسسة التدريب مرادفا ومكملا للتعليم السائد في الجامعات السعودية، خصوصا أن وزارة العمل تتجه نحو سعودة قطاعات عديدة في السوق منها قطاع الاتصالات وقطاع الصيانة، والتوجه إلى إنشاء شركات تحل محل العمالة الفردية السائبة غير المهنية التي تعمل بمهارات بدائية ولا تملك الأدوات التي تقلل من الوقت وسرعة الإنجاز، خصوصا بعدما انتشر الوعي بين أفراد المجتمع وبدأ يعاني المجتمع من تكدس الخريجين من الجامعات، بحسب الإحصاءات فإن عدد البطالة من خريجي الجامعات عام 2015 كان 300 ألف بإجمالي بطالة كانت أكثر من مليون وثلاثمائة ألف، حيث يكلف الدولة إنفاق مبالغ مالية ضخمة مقابل إعادة تأهيل هؤلاء الخريجين والبحث لهم عن وظائف إحلالية بدلا من المشروعات الجديدة التي تولد الوظائف التي تتمسك بالعمالة الوافدة الماهرة التي لا تقبل بالرواتب الضعيفة ويمكن أن يتحولوا إلى شركاء في إدارة المشروعات الجديدة.
تتنافس الجامعات الأمريكية بأوقافها حيث نجد جامعة تكساس في المرتبة الخامسة من حيث عدد الطلاب ربع مليون طالب، فيما جامعة نيويورك الأولى نصف مليون طالب، لكن أوقاف جامعة تكساس الأولى حجما من حيث الأوقاف وعلى كل الجامعات الأمريكية بما فيها جامعة هارفارد تقدر بنحو 36 مليار دولار، يترأسها جنرال سابق هو وليام ماكريفين قائد سابق للقوات الخاصة التي نفذت عمليات عسكرية ضد الإرهاب منها عملية نبتون التي أدت إلى مقتل أسامة بن لادن.
والجامعة نصف طلابها من المكسيك ونشأت قبل 150 عاما بعد 10 أعوام بدأت الحرب الأمريكية المكسيكية انتهت بهزيمة المكسيك وتأسست ولاية تكساس التي صارت تدير الجامعة، ويرجع السبب إلى أن الجامعة الأكبر بالأوقاف إلى ثروة النفط في الولاية والأراضي الواسعة التي ورثتها الجامعة منذ أن كانت الولاية التي تحتضنها جزءا من المكسيك.
وجامعة شيفلد من الجامعات التي تأسست في المدن الصناعية الكبرى في إنجلترا وهي من الجامعات النخبة واحدة من الجامعات المعروفة بجامعات الطوب الأحمر أعضاء في مجموعة (راسل) التي تتلقى ثلثي تمويل البحوث في بريطانيا، ولهذه الجامعات العريقة مركزها للأبحاث الصناعية المتطورة ولديها علاقات متينة مع شركة بوينغ للطيران وشركة BAE Systems لأنظمة التسلح، عدد طلابها 28 ألف طالب تقريبا، أكثر من 8 آلاف منهم في الدراسات العليا، وتصل إيراداتها إلى نحو مليار دولار سنويا وهي أكثر 10 جامعات في بريطانيا من ناحية الإيرادات.
أي أننا نجد الجامعات في أوروبا وأمريكا ترتبط بالقطاع الخاص ارتباطا مباشرا، فيما نجد لدينا هناك فجوة شاسعة بين القطاعين العام والخاص من جهة والجامعات من جهة أخرى.
ومن أجل تحقيق الرؤية هي بحاجة إلى كفاءات وقدرات أثبتت نجاحات نوعية في قطاعات أخرى لديها القدرة على قيادة تحديات المرحلة المقبلة وتمتلك مبادرات وخططا واضحة، فمثلا نجد الولايات المتحدة وضعت على رأس الدبلوماسية ريكس تيلرسون شخصية نفطية لم يمتلك خبرات في الجانب الدبلوماسي، لكنه يمتلك نجاحات في قطاع النفط، حيث كان يدير أكبر شركة نفط في العالم من حيث القيمة السوقية أكسون موبيل.