د. أحمد الفراج
سامح الله البليوينيرين، وارين بافيت وبيل قيتس، فكلما أقرأ أخبارهما الجديدة، ومبادراتهما الإنسانية، وأشاهد صورتهما، وهما يتناولان عشاءهما المتواضع، في أحد المطاعم الشعبية، أتذكر بعض رجال الأعمال من بني جلدتنا، والذين لا هم لهم إلا جمع المال، والمزيد منه، مستغلين التسهيلات الهائلة التي تقدمها الدولة، دون أن تفرض عليهم ضرائب من أي نوع، ولا أدري كيف يتعايش هؤلاء مع أنفسهم، فلا شيء يقلقهم أكثر من بعض الخربشات التي تحثهم على المشاركة الاجتماعية، بل إن بعضهم يناصبك العداء، بمجرد أن تكتب عن هذا الأمر، ولا أشك في أنهم يكرهون الثريين، قيتس وبافيت، فلا يكتفي بعض أثريائنا بالتنصّل من مسؤولياتهم الاجتماعية في أوقات الرخاء، بل إنهم يزيدون الأمر سوءاً في وقت الأزمات، إذ بدلاً من أن يكونوا عوناً لبلادهم ومواطنيها، نجد أنهم أول من يفر من الميدان، ويتهرب من الالتزامات، وكأنهم يعيشون في غابة متوحشة، يبحث فيها الفرد عن نجاته هو وحسب.
أكتب هذا، وأنا أقرأ التقارير عن حجم أموال أثريائنا المحولة إلى الخارج، وأشاهد انحدار مؤشرات سوقي الأسهم والعقار، وهذا أمر طبيعي ومتوقع، حسب الاقتصاديين، وبدلاً من أن يساهم هؤلاء الأثرياء في معاونة الحكومة على مواجهة هذه الظروف الاقتصادية «المؤقتة» الصعبة، والسعي لتطمين المواطن القلق، وخصوصاً أنهم يملكون آلاف المليارات، نجد أنهم لا يكترثون إلا بتجارتهم، ومصالحهم الخاصة، عبر تحويل الأموال للأسواق الخارجية، ومحاولة الاستفادة القصوى من ظروف «الرعب» في أسواق المال والعقار، وذلك بهدف زيادة الأرباح، أي أنهم يستغلون حتى فرص الضعف الاقتصادي للتكسّب، على حساب البلد والحكومة والمواطنين، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل ذلك، فهو أمر يتكرر مع كل أزمة، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أي انحسار لهذه الظاهرة الفريدة، ويبدو لي، والحالة هذه، أنه حان الوقت لأن ينتهي « الدلال « الحكومي لهذه العينة من الأثرياء، إذ ليس معقولاً، ولم يعد مقبولاً، أن تمنح الحكومة كل التسهيلات، والإعفاء من الضرائب إلى ما لا نهاية.
ولا يمكن أن ينتهي الحديث عن بعض أثريائنا دون المرور على قصص حقيقية، سمعتها من مسؤولين كبار، عن مزاحمة هؤلاء الأثرياء للمريض الفقير على كرسي المستشفى، وللطالب على مقعد الجامعة، مع أن بإمكانهم شراء مستشفيات وجامعات كاملة في الخارج، وليس فقط التطبب وابتعاث أبنائهم للخارج، وأختم هذا المقال بالتأكيد على أن بعض الأثرياء لا يمكن أن يفهم الرسالة الوطنية إلا بالقوة، أي إعادة النظر في مسائل التسهيلات الحكومية، وفرض الضرائب، فآخر العلاج الكي، فهل نرى، ونحن في زمن التحول الوطني، واقعاً مختلفاً في المستقبل؟! نتمنى ذلك.