خالد بن حمد المالك
يأخذني الواقع العربي، بشمسه التي لم تعد مشرقة مثلما كان حالها من قبل، بمآسيه التي استعصت على الحل، بأجوائه الملبدة بالغيوم الداكنة التي أخفت عن العيون الطرق السالكة نحو ما نريد، وإلى ما هو أحسن.
* *
فالعالم بين متآمر ومتآمر عليه، بين قوي يتسلط على من هو أضعف منه، ويفتك بمن لا يحني رأسه ويسلم أمره لجبروته وتسلطه، دون أن تكون هناك هيبة للقانون، أو خوف من عقاب، فالأقوى هو من يمتلك زمام الأمور، وهو سيد الموقف، وما عداه فإلى المجهول.
* *
عالم مريض، ودول متوحشة، ومجاميع بلا إنسانية، وأناس من غير عقول، وهكذا هو عالمنا، وبمثل هذا يكون البؤس والضياع، والحياة غير المستقرة، والأنانية والقهر، ودماء الأبرياء التي تسيل بفعل الجرائم التي ليس لها نهاية أو حدود أو موعد للتوقف.
* *
هذا هو عالمنا، هذه هي حياتنا، ولا أحد يفكر بأكثر مما أين يضع قدميه، وكيف يكون ويستمر مع نيرون عصره، وجبروت الجبابرة بين غيره، ومن لا ينافس إلا نفسه، ولا يفكر إلا بما يبقيه الآمر الناهي بين غيره، وليس للضعيف أكان فرداً أو مؤسسة أو دولة، إلا الإذعان لما يأمر به أو ينهى عنه.
* *
هذه صورة عالمنا اليوم، بالحروب التي لا تتوقف، وبالدمار الشامل، وحيثما كان هناك صيد سمين، فإن آلة الحرب جاهزة وبانتظاره، لأن القوي لا يروي عطشه إلا دماء الأبرياء، ولا يرتاح إلا على مشاهد أنقاض المباني وهو يدكها على رؤوس ساكنيها، بلا إنسانية أو رحمة، أو شعور بتأنيب الضمير.
* *
تمضي بنا الحال هكذا، مؤامرات وراء مؤامرات، وأطماع إثر أطماع، وعداوات على الهوية القومية أو الدينية، وإن لم تكن فاختلاق الأسباب، وإيجاد المبررات، كلها متاحة وميسورة وجاهزة عند الطلب.
* *
لا أريد أن أدخل في التفاصيل، ولا أن أذهب إلى العمق، ولا أن أصور حزني وألمي بأكثر مما ذكرت، فالجميع يئن، والجميع يشعر بذات الشعور، وليس هناك من يوصف بأنه لن يمسه سوء أعمال هؤلاء الأقوياء، وليس بيننا من يملك حق الدفاع المتكافئ مع عدوه، إذا ما كان هدفاً لتسلط الأقوياء.
* *
فهل هناك من يزعم بأنه خارج لعبة الأقوياء، هل هناك من يدعي بأنه ليس مستهدفاً، ولن يكون بنيرانهم هدفاً، سواء في نفسه أو دولته، وحيثما كانت هناك مبررات -ولو كانت مختلقة- للوصول إليه، بمثل ما نراه في كثير من دول العالم التي مسها الإرهاب والقتل المباح، بينما لا يكون التعامل بالتصدي لهذه الجرائم سوى بالكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر.
* *
فمتى نرى عالماً مسكوناً بالحب والتعاون، متى نراه متسامحاً، ويحب كل منا للآخر كما يحب لنفسه، دون أنانية، أو موقف بغيض، أو كراهية غير مبررة، متى نرى الشمس مشرقة، والأجواء تتمتع ببيئة يسودها الوئام والسكينة بين البشر، فلا نعيش في خوف، أو في أجواء غير مستقرة، متى يتعافى عالمنا من مرضه، متى؟!.