د. أحمد الفراج
لقد كان موقف الليبراليين، واليساريين العرب من التثوير العربي، أو مخطط الشرق الأوسط الجديد، أو الفوضى الخلاّقة، اختر أيها شئت، هو موقف غريب، ويتنافى مع أبسط أبجديات الأدبيات التي يؤمنون بها، وقد لاحظنا التخبط الذي أصابهم، بعد ثورة ثلاثين يونيو في مصر (الثورة الثانية)، والتي رفع لواءها الشعب المصري، عن طريق أكثر من عشرين مليون مصري، خرجوا إلى الشوارع مطالبين برحيل حكومة الإخوان، وهي المطالبة التي تجاوب معها الجيش المصري، تلبية لنداء الشعب المصري، تماماً كما تجاوب ذات الجيش مع الثورة الأولى، وأزاح مبارك عن حكم مصر، ولئن كان مقبولاً أن يدعي الإخوان أن ما حصل كان انقلاباً عسكرياً، إلا أن اللافت أن معظم الليبراليين العرب رددوا ذات الأسطوانة الإخوانية، بل إن أحدهم قال في البداية إن الجيش المصري تجاوب مع مطالب الشعب، ثم نكص عن رأيه - بخشم الريال أو الدولار- وسماه انقلاباً عسكرياً، ولا ندري على وجه الدقة عن ماهية المستجدات التي شكلت الانقلاب (انقلاب موقف الليبراليين العرب، لا انقلاب عسكر مصر!).
نتساءل هنا، وحق لنا ذلك، إن سمح لنا الليبراليون العرب، والذين يتحدثون عن الديمقراطية، ويتغنون بها: هل كانوا يريدون أن يقف الجيش المصري في صف الرئيس محمد مرسي، وبالتالي يقمع ملايين المصريين الذين ملؤوا ساحات، وشوارع مصر؟! ثم هل يعني هذا أنهم لم يكونوا ليمانعوا لو قمع ذات الجيش ملايين المتظاهرين بأمر مبارك، في الثورة الأولى؟! ثم كيف فات عليهم أن حكم الإخوان لم يكد يتمكّن قليلاً حتى بدأ بإزاحة أنصاره من التيارات المناوئة، ولنا في قصة علاء الأسواني خير مثال، ونظام مرسي في هذا لا يبتعد كثيراً عن الخميني، والذي تحالف مع جميع خصومه، ثم لما تمكّن، سحقهم جميعاً، فهل كان الليبراليون واليساريون ينتظرون التمكين الكامل لتنظيم الإخوان، حتى يتسنى له سحقهم جميعاً، وإن كنا لا نظن أنهم مازوخيين إلى هذه الدرجة المتدنية!
حسناً، دعوني أصعقكم بالقول إن معظم الليبراليين العرب، للأسف الشديد، صفقوا لثورة ثلاثين يونيو المصرية، واعتبروها ثورة تصحيحية، ثم لما استبان من ضحى الغد، أن الولايات المتحدة، والغرب عموماً يعتبر ما حصل انقلاباً عسكرياً على الشرعية، تقلبت مواقفهم تبعاً لذلك، أي أن من حدد موقفهم من ثورة مصر الثانية ليست المبادئ التي يؤمنون بها، بل موقف الغرب منها، وأتحدى أياً منهم أن ينكر ذلك، أو يناظر عليه، ما يعني أننا إذا كنا نقول إن تنظيم الإخوان وصل إلى السلطة بتدبير غربي خالص، فإن الليبراليين العرب، واليساريين كانوا ضالعين في هذا الأمر أيضاً، ولعل عند الدكتور محمد البرادعي الخبر اليقين، فهو جهينة التي لن تكذب!