خالد بن حمد المالك
ليس من السهل أن يكون هناك لقاء بين الأضداد، وأن يتنازلا عن اقتناعاتهما لتقريب المسافة بينهما، وأن يعبّرا عمّا يزيل ما شاب النفوس من جفوة وتباعد، فالعناد قد يكون جاهزاً في إفشال أي فرصة للتقارب، والكبرياء قد تكون حاضرة هي الأخرى للحيلولة دون الانتقال إلى المرحلة المطلوبة في العلاقات الإنسانية الطبيعية.
* *
الإخوان وأبناء العمومة والأصدقاء والزملاء وغيرهم يتجافون أحياناً على أتفه الأسباب، ويختلفون لمجرد الاختلاف، وتأتي بعض تصرفاتهم وكأنها تستدعي شيئاً كثيراً من خلق الأجواء لوضع العلاقات على محك من عدم الشعور بالندم مع هذا النوع من الخلافات.
* *
هكذا هم الناس - بعضهم - ممن يغيب عن ذهنه أهمية الهدوء والسكينة والتنازلات، بينما المطلوب للعقلاء منا إيثار غيره على نفسه في سبيل المحافظة على علاقاته الودية بغيره، وتحسينها ورفع درجتها إلى ما هو أفضل، ولكن كم منا يفعل ذلك، أو يفكر فيه، ويحبذه، وينادي به، وينصح به غيره، ويرى فيه انتصاراً وليس هزيمة كما قد يراها غيره.
* *
لقد شاب مجتمعاتنا ما شابها من مواقف لا تسر الخاطر، حتى بتنا نسمع عن تطورات للخلافات والمشاحنات تصل إلى حد القتل، أو محاولة الشروع بالقتل، على ما يمكن دفن أسبابه بالحوار والمناقشة الهادفة، والتدخل الحكيم العاقل من قبل الوسطاء، وبما يبعد الشر، ويقضي على الفتنة، ويمنع امتدادها إلى آخرين.
* *
هل مع تنامي عدد القتلى بسبب خلاف أو شجار مؤذ تطور إلى اقتتال، تمت معالجته كظاهرة بأكثر من دفع الدية لذوي القتيل حتى لا ينفذ الحكم بقتل القاتل؟ وهل هناك من محاولات تمت لترسيخ ثقافة الوعي بالمدرسة والبيت لإظهار خطورة الإقدام على ممارسة القتل مهما كانت الأسباب، وما سيؤديه اللجوء لأخذ ما يعتقد الإنسان أن من حقه أن يأخذه بيده لا بما يحكم به الشرع من فوضى لا يقرها أي قانون؟
* *
لا أعرف أن مدارسنا تولي مثل هذا الموضوع شيئاً من اهتمامها، مع أن ديننا يوصي بالتراحم، ونبذ الخلافات، واحتوائها إذا ما حدثت، وتوقير الصغير للكبير، ورحمة الكبير للصغير، وتحريم قتل النفس البريئة، وترك الحكم للمحاكم وبما يحكم به شرع الله، فكيف لنا أن نقبل بأن ينصب عملنا واهتمامنا لتطويق هذا الجرم بالاكتفاء فقط بإثارة النخوة والإنسانية لدى القادرين على دفع الدية لإنقاذ رقبة القاتل من حد السيف، ولا نفكر بما يمنع هذا القتل العمد وتكراره.
* *
كلنا لدينا الحس الإنساني، والعاطفة الجيّاشة، والشعور بالألم، كلما علمنا بأن القصاص سيتم بحق هذا الشخص أو ذاك، وفي مقابل ذلك قد نبدو وكأننا بدون إحساس وشعور إنساني بفاجعة أسرة القتيل، والذي راح ضحية خلافات أو مشاجرات لا ترتقي إلى مستوى تعمد القتل أو الشروع فيه، ما يعني أن أمامنا فرصة للبحث عن أساليب وطرق تمنع أو تحد من هذا العمل الطائش، وهذا الأسلوب غير المقبول.
* *
أتمنى أن يكون هذا الموضوع أحد اهتماماتنا، وأن نكرّس الثقافة التي تمنع الاحتراب في نفوس أبنائنا، وأن يكون التعويض المادي في إنقاذ القاتل من سيف العدل في أضيق الحدود، وليس من ضمن الخيارات المستقبلية للقضاء على ما يعتبر اعتداءً متعمداً وصريحاً مهما كانت المبررات، وأياً كانت الأسباب.