يوسف بن محمد العتيق
للعلماء المتقدمين المهتمين بالرواية دقة كبيرة في الحديث عن الراوي الذي ينقل النصوص الشرعية أو يوثّق الأحداث التاريخية أو ينقل الأبيات الشعرية والكلمات الأدبية، فهم يدرسون مسيرة حياته بكل دقة ليتأكدوا من مقدرته وحفظه واستيعابه لما يرويه عن السابقين.
لذا تجدهم يقبلون روايات شخص بإطلاق ويردون روايات شخص بإطلاق وذلك اعتماداً على إمكاناته في نقل الأخبار.
ولم يكتف الأمر على ذلك فهم في بعض الأحيان يلاحظون التغييرات التي قد تطرأ على الشخص في حياته فيقولون على سبيل المثال فلان يقبل الأحاديث والقصص التي رواها حين كان شاباً، لكنه حين كبر وتقدم به العمر فقد تغيّرت حافظته وبدأ يخلط في الرواية فمن المصلحة أن ننقل حديثه حين كان شاباً، ولكن حين كبر لا ننقل عنه.
وقد يسأل سائل كيف نفرِّق بين حديث في مرحلة الشباب وآخر في مرحلة الشيخوخة أو المرض فالجواب أنهم يعرفون ذلك من خلال معرفة تاريخ تحديثه وإلقاء المحاضرات والدروس لديه وبالتالي يميزون الصالح للنشر من غير الصالح.
وكانوا يعبرون عن مثل هذه النوعية من الرواة بكلمة جميلة ومؤدبة فيقولون (تغيّر بآخره) وأحياناً يقولون (تغيره بآخره) أي في آخر حياته أو مرحلة الحديث لديه تغير حتى يعرف أن حديثه المتقدم مقبول وليس فيه أي تغير.
وهذا من الإنصاف والحكمة التي كانت لدى العلماء السابقين.
ولعلنا ننقل هذا المصطلح إلى واقعنا المعاصر؛ فكثيراً ما نشاهد من كان مميزاً في أول حياته ثم تأتي عليه ظروف فيتغير وضعه إلى وضع أسوأ، وعلينا أن نثمّن جهوده السابقة، وفي الوقت نفسه نلاحظ ونتعامل بما يناسب مع تغيّر موقفه الأخير!!