علي الصراف
تحدي البريكست، يترك لبريطانيا نافذة مفتوحة للمساومات، عبر الأطلسي، قد تملي على الاتحاد الأوروبي أن يساوم على مُسلماته. والأطلسي «عفا عليه الزمن»، أو أنه يضع ألمانيا، كبقية دول الاتحاد الأخرى، تحت طائلة «ضغط» أمريكي كبير لتغيير آليات العلاقة بين الشراكة الدفاعية والمصالح. وبينما التحدي الروسي قائم، فإن أعباء الديون، من جهة، وأعباء الشعبوية الانفصالية من جهة أخرى، تترك أبواب الاتحاد الأوروبي مشرعة أمام مخاطر جسيمة، تتطلب لمواجهتها خروجاً حقيقياً من «صندوق» الأجوبة الجاهزة. الخطوة الأولى للخروج من الصندوق، جاءت بإقرار دول الاتحاد بإمكانية السير بسرعات مختلفة لتحقيق المزيد من التكامل الاقتصادي والأمني فيما بين الراغبين. المغزى الحقيقي لهذه الخطوة، يمهد الطريق لبرلين وباريس من أجل أن يُريسا شراكة أعمق، لتكون نوعاً من نواة أصلب لاتحاد مهدد بالتفكك. هذه الشراكة سوف تعني دفاعاً مشتركاً، ومظلة نووية فرنسية تلقي بظلالها على الاتحاد الأوروبي كله. ولكنها سوف تعني أيضاً استنهاضاً مشتركاً يسمح لفرنسا أن تحتل المزيد من المكانة التي «كانت» تتمتع بها بريطانيا. وفي الواقع، فإن هذا هو التعويض الأهم الذي تتطلع إليه باريس. فبينما يمكن لألمانيا أن تهنأ باستقرارها المالي، وبعوائد قوتها الاقتصادية المتنامية، فإن الاقتصاد الفرنسي يتعيّن أن ينمو بمعدلات أسرع ليتمكن من بناء استقرار مماثل.
«براميل التفكير» أو ما يُسمى بالـ(Think tanks) في البلدين تبحث الآن عن تلك المنافذ التي يمكنها أن تؤدي وظيفة «الإحلال والحلول»، ولكنها تذهب أيضاً إلى حساب ما يمكن أن تعنيه «القوة الدفاعية الألمانية - الفرنسية المشتركة» وما إذا كان يمكن أن تلقي بظلالها على الاتحاد الأوروبي ككل.
والمعنى الضمني إنما يريد لتلك القوة أن تؤسس لجواب حول ما إذا كان يمكن أن تحل محل تلك المنظمة التي «عفا عليها الزمن» (الحلف الأطلسي). التحالف الألماني الفرنسي، سوف يدفع إلى بناء مركز واحد داخل الاتحاد الأوروبي، يحل محل المراكز المتعددة الراهنة. صحيح أنه يُبقي الباب مفتوحاً لشراكات أخرى، إلا أنه يذهب في اتجاه بناء نواة صلبة أولاً، قبل أن تكون قابلة للتوسع. ولسوف يكون بوسع هذه النواة أن تبني ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين.
والباب مفتوح الآن، على مصراعيه، لمن يرغب. (في إشارة ضمنية أولى إلى إيطاليا التي لولا مشكلاتها الاقتصادية الخاصة، لما كانت قد تخلفت عن الركب). يقدم هذا الخيار، جواباً يكاد يكون سهلاً، للكثير من التحديات. وهو يوفر جواباً متيناً لتقعيد «الترامبوية» على أرض شراكة من دون «ضغوط» زائدة عن الحد. ولكن ذلك لا يغيّر شيئاً في حقيقة أن التحدي الأهم، اقتصادي بالدرجة الأولى.
ثمة اضطراب مقبل. وثمة أعباء ديون لا تزال ضخمة على غالبية دول الاتحاد، وثمة تراجع محتمل في النمو سوف يجعل من أعباء تلك الديون أكثر ثقلاً. وثمة متطلبات دفاعية جديدة يتعيّن الوفاء بها أيضاً. «لن أحكم من دون ألمانيا، ومن دون الاتحاد الأوروبي». هذا ما قاله إيمانويل ماكرون، المرشح الأوفر حظاً للرئاسة في فرنسا. وسواء بقيت المستشارة انجيلا ميركل في منصبها أم خلفها حليفها الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتس، فلن يصعب على أي منهما القول: «لن أحكم من دون فرنسا، ومن دون الاتحاد الأوروبي».
هذا بعض من الجواب. ولكنه جواب يقول: الاتحاد الأوروبي سيعود ليبدأ من المربع الألماني الفرنسي، لنرى من خلاله عالماً مختلفاً حقا.