سمر المقرن
كلمة «حرية» جميلة جداً، ونبيلة جداً، لكن مضامينها وفق اختلاف الثقافات وكذلك الاحتياجات، هي ما تصيب المجتمعات بالارتباك. ولو عدنا إلى المفهوم الفلسفي للحرية لوجدنا أنها قد قُسمت إلى عدة أشكال، واختلفت المدارس الفلسفية حولها، وحول أشكالها، فهناك من يراها ما بين الفكر والأرض، وهناك من يراها شخصية غير مقننة بأي قيود، وأكثر المدارس الفلسفية التي أميل إلى رأيها في الحرية هي «الأبيقورية» وهي مذهب فلسفي يوناني يختلف كثيراً في رؤاه عن المدارس الفلسفية الأخرى خصوصاً الإغريقية، وقد ربط هذا المذهب الحرية بالسعادة، وأن اللذة تكون في ممارسة الفضيلة، وهو مذهب فلسفي يدعو إلى السعادة دون أن يكون الإنسان أسيراً لشهواته، وفي هذا أيضا ترابط ما بين الوصول إلى السعادة بحالة من الزهد، إلا أن الزهد الذي تدعو له الأبيقورية متوازن بحيث يكون في الاعتدال دون طغيان جانب على آخر. أيضاً من الأشياء الجميلة في هذا الرأي لديهم أن السعادة لا يأخذها الإنسان إلا من داخله، وهذا الرأي اتفق معه كثيراً.
أكتب هذه الديباجة وأنا اتأمل حال دعوات الحرية التي أقرأها كثيراً في مواقع التواصل الاجتماعي، وكما أسلفت برغم أن الحرية شيء جميل ونبيل، لكنني في الواقع لم أجد في معظم هذه الدعاوى أي شيء جميل ونبيل، وما هي إلا دعوات سطحية تتخذ من كلمة راقية حجاب لدعوات غير راقية ومنها دعوات غير أخلاقية، بحثاً عن حرية منفلتة لا يُمكن أن تكون مقبولة بأي حال من الأحوال في مجتمعنا ولا في أوساطنا التي اعتادت على الوسطية والمحافظة!
أستغرب وأنا أقرأ بعض هذه الدعوات الغريبة من وسط مجتمعنا، واتخاذ الدعوة للحرية بأسلوب ساذج لا يتعدى أمور هامشية ليس لها هدف سوى الانحلال والاسفاف وكسر المجتمع من داخله.
أنا شخصياً أؤمن بالحرية، وأدعو للحرية، سواء حرية الرأي أو حرية اتخاذ القرار دون خضوع لأي مؤثرات، وأؤمن بالحرية الشخصية التي تقف حدودها عند حرية الآخرين، وأؤمن بحرية الفكر الواعي الذي يراعي الاختلافات ولا يجعلها حاجزاً لمشاعره الشخصية من بث عداوة وبغضاء بسبب هذه الاختلافات الفكرية. إنما ما نراه اليوم من دعوات «مقززة» بعيدة عن المعاني النبيلة للحرية، ما هي إلا دعوات أؤمن بأنها إما مأجورة أو أنها قائمة على أفكار سطحية تسيء بشكل حقيقي لكل معاني الحرية!