جاسر عبدالعزيز الجاسر
عندما يتفق الكبار، فإنّ الصغار ينصاعون، هذا هو بالضبط ما آل إليه الحال، حال ملالي إيران وأذرعتهم الإرهابية، ودكاكينهم الطائفية في سوريا ولبنان وحتى العراق.
كيف..؟
القصة بدأت بالتفاهم الذي لم يكن معلناً بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، والذي أصبح علناً بعد أن توالت الإشارات من واشنطن وموسكو تتواصل ويتلقاها المهتمون بالشأن السوري، وما يجري في المنطقة العربية، وروايات وقصص مواجهة الإرهاب، هؤلاء المهتمون وهم المختصون بالتحليل الاستراتيجي والسياسي وصلوا إلى نتيجة مفادها اتفاق واشنطن وروسيا على تسوية الوضع في سوريا والعراق والمنطقة العربية وفق ضوابط لا تخل بالأوضاع التي كانت سائدة وبالذات في وضع الدول من حيث حدودها وسيادتها وعدم السماح بطغيان نفوذ أي قوة إقليمية على حساب الأخرى.
الاتفاق الروسي الأمريكي يؤسس ويعمل على صياغة مرحلة جديدة في سوريا والعراق والشرق الأوسط، بحيث يتم تحصين الاستغلال السياسي والحفاظ على جغرافية الأرض في سوريا والعراق والدول العربية الأخرى دون المساس بالتركيبة السكانية والمذهبية وأن لا تطغى الأغلبية على الأقلية، ودون أيّ تسلط من الأغلبية، ومنع استقواء الأقلية بقوى خارجية ولا تغيير في التركيبة الديمغرافية، ولهذا فإن هذا الاتفاق الذي بدأ العمل فيه على الأقل من خلال إعلان المواقف السياسية والتزام الجانبين الروسي والأمريكي بتقليص دعمهما ومواجهة تمدد حلفائهم على الأرض السورية والعراقية، فالأمريكيون أعلنوا أنهم غير معنيين بمسألة رحيل بشار الأسد، أو بقائه واستمراره، وأن جهدهم الأول سيكون للقضاء على داعش، أما الروس فقد توصلوا إلى اتفاق يمثل صفقة مريحة لهم ويوقف انغماسهم في وحل المعارك في سوريا ويبعدهم عن الإيرانيين الذين يشتد طوق الحصار حولهم، وبدلاً من الدعم الروسي الذي كان يقدم للإيرانيين للتوسع في الأراضي السورية وتوفير الغطاء الجوي للمليشيات الطائفية التي جميعها تعد أذرعاً إرهابية إيرانية مما أتاح لتلك المليشيات السيطرة على العديد من المدن السورية، فإنهم الآن يدعمون الحضور الأمريكي القوي ليس فقط؛ بغض النظر عن دعمهم لقوات سوريا الديمقراطية، بل أيضاً بمساعدتهم في تأكيد وجودهم السياسي والعسكري في سوريا، وكل هذا يتم على حساب الوجود الإيراني الذي سيصبح مكشوفاً ومحاصراً بعد أن يبتعد الروس عن توفير الغطاء الجوي والعسكري لعناصرهم سواء من عناصرهم العسكرية الممثلة بعناصر حرس الثورة الإيراني أو المليشيات الطائفية بما فيها مليشيا حزب الله، وقد بدأ الإيرانيون يعون هذه الحقيقة، وأخذت قيادات إيرانية تتحدث عن أفضل وسيلة لتقليص الوجود الإيراني وسحب الأذرع الإرهابية المتمثلة في المليشيات الطائفية كواقع بدأ يفرض نفسه بعد تفاهم واشنطن وموسكو، إذ لا يمكن لطهران أن تواجه الحزم الأمريكي بعد أن يتخلى عنها الحليف الروسي.