د.عبدالعزيز الجار الله
في كل مرة أسمع اللبناني نصري شمس الدين وهو يبكي بصوته الجبلي:
(وقف خليني بوس / شبابيك الحلوة بطرطوس).
(يا بيتها المضوي ع البحر / بقلبي وعيني محروس).
عند سماعها لا يخطر بالبال سوى المدن العربية التي تهاوت مع الربيع العربي، الدول والعواصم والمدن والضواحي والنواحي، وحدها طرطوس المدينة التاريخية التي لم تُطلَق فيها رصاصة واحدة، وهي راقدة على الساحل السوري، يحميها نظام الأسد وعرقيته العلوية وإيران وروسيا ومرتزقة الضاحية الجنوبية من بيروت وجنوب لبنان وحزب الله الذين جاءت كوادرهم من لبنان تحت مبرر وهدف قتل الأمة السنية في سوريا.
كنا نحب التاريخ العربي بكل مذاهبه وطوائفه وعرقياته وأقلياته، ولا نفرق بين أتباع الديانات باعتبار بلاد العرب أوطاني. كنا لا نفرق بين المدن العربية، طرطوس أو طرابلس لبنان وليبيا، أو صنعاء اليمن ووهران وعنابة الجزائر واصيلة ودار العرب البيضاء المغربية، أو صلالة سلطة عمان وزرقاء الأردن وفجيرة الإمارات ونجران ورياض السعودية وإسكندرية وأسيوط مصر ومقديشو صومال القرن الإفريقي.
كنا ننظر إلى التاريخ العربي الإسلامي كقطعة واحدة. تاريخ عرب الجزيرة الخلافة الأولى وعاصمتهم المدينة المنورة، ثم أواخر الخلافة الإسلامية وعاصمتهم كوفة العراق، ثم بنو أمية وعاصمتهم دمشق، ثم بنو العباس وعاصمتهم بغداد، والسلاجقة بالشام، والمماليك في مصر، وحتى عندما خرجت عاصمة الخلافة إلى خارج بلاد العرب في إسطنبول بقيت العواصم القديمة هي عواصم الأقطار والأقاليم، حتى جاء زمن الصفويين الجدد عام 1979م من إيران بثورتهم الشيعية لمحاولة إحداث الشرخ في بنية الإنسان العربي وجغرافيته، وكشفوا عن نواياهم وعلانية غاياتهم عام 2010م في بدء هذا الربيع الكارثي، الذي لو لم يكن لخلقته إيران، التي كانت تبحث عن مبرر فوضى للمدن العربية.
بعد أن أوشكت أن تكتمل دورة الحرب في سوريا لصالح الثوار - إن شاء الله - لا بد أن يصل الشعب السوري المقاوم لاستبداد الأسد وإيران وحزب الله.. أن يصل الشعب السوري المهجر إلى شبابيك الحلوة بطرطوس وتبوس شفاه التحرير شرفات وانحناءات وأقواس وعقود طرطوس محررة.