د. محمد عبدالله الخازم
ليس لدي خيار في هذا المقال سوى الانصياع لروح العاطفة تجاه المدرسة التي تخرجت منها وفيها تعلمت ألف باء الحياة العملية الاحترافية (إن جاز التعبير) سواء في مجال المهنة أو مجال التنظيم والإدارة أو غيرها من المجالات ذات العلاقة. تخرجت من الكلية وكانت حصيلتي المعرفية والمهنية والإدارية متواضعة جداً، مثل غيري، ممن تعلمنا القشور في الكلية، لكننا رزقنا ببرامج وأساتذة في التخصصي أعادوا تأهيلنا بكل ما تعنيه الكلمة. لم يكن التخصصي مجرد صرحاً طبياً بل مدرسة في التنمية البشرية وتطوير القوى العاملة في المجال الصحي...
هذا مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ليس مجرد مستشفى وليس مجرد مدرسة كما أحب تسميته دائماً، بل هو علامة فارقة في تاريخ النهضة والإدارة السعودية، لا يقل عن المنارات الحضارية التنموية الكبرى في تاريخنا كأرامكو وسابك. وإذا كانت أرامكو رمز الفخر الصناعي والتقني في المملكة فإن التخصصي رمز للتحول الاجتماعي النهضوي الصحي الذي أسهم في نقل أروع الصور عن بلادنا لبلاد العالم، وبفضل مساهماته تحولنا من بلاد يسافر مرضاها للعلاج في الخارج إلى مركز اكتفاء يحلم الآخرون بالعلاج فيه. يروي لي أحد الأطباء الكنديين المتقاعدين، بأنهم قبل أربعة عقود ترددوا في قبول الأطباء السعوديين في البرامج الكندية، خوفاً على سلامة مرضاهم ولعدم قناعتهم بأن هذه الصحراء يمكنها تخريج كفاءات مؤهلة للتدرب في كندا، حتى قيض لهم زيارة الرياض وتحديداً مستشفى الملك فيصل التخصصي، المفاجأة التي أدهشتهم بهذا المستوى من الخدمة والتجهيزات التي تفوق كثير مما هو موجود بالمستشفيات الكندية. وكلنا يعلم بعد ذلك كيف أصبح الطبيب السعودي الرقم الأول، غير الكندي، في برامج التدريب الطبية الكندية.
كمثال للريادة، فإلى جانب التخصصي تبرز مدينتي الملك عبدالعزيز الطبية و الملك فهد الطبية، والتاريخ يشير إلى أن أساتذة وخريجي مدرسة التخصصي هم من أسس أو وضع هاتين المؤسستين على طريق المجد والمنافسة. لذلك أصر على تسميته بالمدرسة وأكتب عنه محباً محتفيا بمناسبة احتفالاته التي سيشهدها تحت رعاية القيادة الحكيمة والمتمثلة في افتتاح مركز الملك عبدالله للأورام والكبد بسعة 300 سرير وغير ذلك من مشاريع التوسعة و التطوير.
ولأن الحب لدى الناقد لا يستوي دون بعض ملاحظات هامسه، فإنني لا أريد للمدرسة أن تتكيء على التاريخ فقط، بل أن تنظر للمستقبل وتحذر الشيخوخة التي تصيب بعض مفاصلها القيادية. هناك حاجة لوضع رؤية للمستقبل يشارك بها كافة الأطراف ذات العلاقة، لأن المدرسة لا يليق بها أن تسير كيفما اتفق أو أن تصنع رؤيتها خلف أبواب مغلقة من قبل الأحبة الإداريين.
التخصصي كان من عناصره الجاذبة للكفاءات العالمية، ذراعه البحثي، مركز الأبحاث. لكن مركز الأبحاث لم يستطع على مدى عقود من الزمن تجاوز المنجز الفردي للباحثين و التحول إلى مصدر إلهام وإبداع ومعرفة، تجعل منه المرجعية الوطنية التي تخدم تطور وإثراء الخدمات الصحية في المملكة بصفة عامة. نقاش المستقبل يجب أن لا يغفل نظرة حديثة لمركز الأبحاث تضعه في مركز الريادة كما هو المتوقع والمطلوب من التخصصي وكل ماهو مرتبط بالتخصصي.