محمد أبا الخيل
كلما ازداد المحصول الثقافي والحضاري لأي أمة انعكس ذلك في صورة سلوك اجتماعي متحضر، حيث يلتزم الناس بالنظام والذوق العام وحسن التعامل واحترام حقوق الآخرين والحفاظ على البيئة والممتلكات العامة، وهذا السلوك هو نتيجة لتأصيل قيم اجتماعية سامية يكتسبها الفرد من المدرسة والبيت والمسجد، وتصبح مع التعزيز المستمر محورا ذهنيا يقود سلوك الفرد بصورة تلقائية.
والقيم السامية لا يخلو منها مجتمع إِنساني مهما كانت ثقافته، ولكن نتيجة لضغوط الحياة القاسية أحياناً يتضاءل حضورها في ذهن الفرد، لذا تقوده التلقائية لسلوكيات تبرز فيها الأنانية وغياب الوعي حول المصلحة العامة والكياسة أو اللباقة العامة.
في المملكة لدينا تاريخ عميق من الاكتساب الثقافي والحضاري ويتمتع المجتمع السعودي بمواطنيه ووافديه بقدر عال من التعليم والاطلاع المعرفي والتمكين من مصادر المعرفة التقليدية والتقنية، والمجتمع السعودي بطبيعته يميل للتدين بصورة ملحوظة وذلك يقود للجزم بأن المجتمع يعتمد في تعامله على قيم وأخلاق عالية تجعل أي سلوك خارج المألوف مستهجن ويستوجب التعديل. ومع هذا ونتيجة للتنامي السكاني في المدن السعودية وتزايد ضغوط المعيشة الناتجة عن ضمور الدخل أو محدوديته عند البعض أو تعاظم الواجبات اليومية والتي تستهلك الوقت والجهد، بات السلوك الاجتماعي العام يخرج عن الأطر التي يجدر أن ينضبط بها، فيلاحظ تكاثر النفايات والقمامة في الشوارع والساحات وتناثرها بطريقة مصطنعة، وليس هذا قلة في جهود البلديات ولكنه تزايد في اللا مبالاة كسلوك تجاه البيئة المحيطة، وإهمال لأقل معايير النظام العامة، هذا إلى جانب التعمد الفج أحياناً في تلويث الحدائق العامة وأماكن الارتياد بمختلف المخلفات. وفي الطريق بتنا نلاحظ سلوكيات غريبة تتمثل في تعريض الناس للخطر فالسرعة تتجاوز المسموح دائماً، والتنقل من مسار إلى آخر يمارسه البعض وكأنه في ميدان سباق للسيارات وليس طريقا عاما، وعند الإشارة قليل من السائقين يلتزم بمساره فالكثيرون يزاحمون بسياراتهم وينتقلون من مسار لآخر دون سابق إشعار للآخرين، ويضاف لذلك أمر لا يجوز السكوت عنه وهو رمي المخلفات من نافذة السيارة وهي تسير بسرعة وقد يكون ذلك المرمي إما عقب سيجارة أو علبة مياه أو زجاجة مرطبات، وكل تلك تمثل خطرا جسيما على السيارات التي خلف الرامي.
في المدارس والجامعات هناك سلوكيات أخرى تتمثل في الجرأة على النظام العام والإفساد المتعمد والتزاحم الشديد حول المرافق، وهذا الأمر لا يقتصر على مدارس الذكور ففي مدارس الإناث مثل ذلك وأشد.
السلوك العام بات يتدنى مع مرور الزمن وتزايد الزحام في المدن، وأصبح الأمر يحتاج الى تدخل رسمي من خلال الأجهزة الحكومية المختلفة والتي يجب أن تتضافر جهودها في صورة حملة وطنية طويلة المدى، هذه الحملة ستكون على محاور، محور تثقيفي وتعليمي وهذا لا بد أن توليه وزارة التعليم جهدا خاصا، ومحور تنويري وتوعوي وهذا من اختصاص وزارة الثقافة والإعلام ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ومحور إرشادي تتولاه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومؤسسات النفع العام، ومحور ضبطي تتولاه قوى الأمن وأجهزتها المتعددة، هذه الحملة يجب أن تتناغم في مكوناتها ويجب ان يكون لها جهاز مركزي يخطط ويراقب ويقيس التوجهات السلوكية وينسق الجهود.