د.علي القرني
مركزية الدولة هي إحدى القضايا التي تدور حولها كثير من نظريات السياسة والحكم كما تشير إلى ذلك أدبيات العلوم الاجتماعية، ولا شك أن هناك ميزات كثيرة للدولة المركزية ففيها تتوحّد السياسات وتنتظم الإجراءات على كافة الأجهزة في الدولة وفي مختلف المناطق والقطاعات، ولكن هناك أيضاً عيوب تعتري نظام الدولة المركزية وليس خافياً على الجميع مثل هذه الأوجه.
وما أراه في العموم من المشاكل التي تواجه الدولة المركزية هو في مركزية القرار الإداري في كافة مؤسسات الدولة، فلا يوجد قرار - صغيراً أو كبيراً - إلى ويصل إلى صاحب السلطة الإدارية العليا في الجهاز سواء أكانا وزارة أو هيئة أو إدارة، ولا يمكن أن تعتمد إدارات أقل من تلك السلطة أي قرار دون الرجوع إلى شخص واحد عادة يكون وزيراً في ظل نظام الوزراء المعمول به المملكة وفي دول مجلس التعاون وكثير من دول العالم النامية.
مركزية القرار تعني إلى حد ما أن الجهات والشخصيات والمناصب التي تقل عن مستوى وزير ليست في كامل الصلاحيات أو الأهلية لاتخاذ قرار إداري معين إلا بعد أن يمضي معالي الوزير على ذلك القرار ويصبح فاعلاً في كافة قطاعات الوزارة، وبالتالي يعني أن جميع قرارات الوزارة في كافة قطاعات الوزارة، وجميع قرارات الإدارات الإقليمية لتلك الوزارة لن يكون بمقدورها اتخاذ أي قرار إلا بعد أن يباركه الوزير ويوقّع عليه. وهذه بيروقراطية خطيرة نعاني منها عبر عقود من الزمن.
إن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تعد رؤية وثابة نحو نقل الدولة إلى مصاف الدول المتقدمة وتسعى إلى تطوير البنية الهيكلية للدولة لتصبح فاعلة وذات قوة تواجه التحديات التي نواجهها حالياً أو التي تستجد في المستقبل، وكنت أتمنى أن تتصدى رؤية المملكة 2030 إلى مثل هذه الحالة التي نواجهها في مختلف مؤسساتنا الحكومية، من تشوّهات تعيق حركة القرار الإداري.
كثير مما يُسمى قرارات في مجالس مختلفة كالشورى أو مجالس المناطق أو مجالس البلديات أو في الجامعات أو في إدارات التعليم أو إدارة إقليمية ليست إلى توصيات، ولا تتعدى ذلك، لأنها حسب أنظمة تلك الجهات ترفع لسلطات أعلى ومقامات إدارية عليا حتى يتم اعتماد أو رفض تلك التوصيات، ويأتي ذلك نتيجة مفهوم الدولة المركزية التي تعني أن كل صغيرة وكبيرة يجب أن تصل إلى رأس الإدارة في الوزارات المعنية ليتم البت فيها.
وأنا شخصياً مع أن بعض تلك القرارات الإستراتيجية للدولة والمجتمع يجب أن يبت فيها ولي الأمر في أعلى المستويات الإدارية، ولكن كثيراً من القرارات الأخرى لا أرى لها داعياً أن تصل الهيئات والمجالس العليا في الدولة، فهي روتينية بكل معنى الكلمة، ولا تستحق الرحلة الإدارية التي تسير فيها هذه القرارات. ومن هنا فإني أدعو إلى فرز كثير من الصلاحيات وتوجيهها إلى سلطات أقل من سلطة الوزير ومنحهم التفويض المناسب للبت في تلك القضايا والأمور الإدارية.
وللتوضيح فقط - وليست هذه هي القضية الأساسية - فإن الموافقة على مؤتمر علمي أو اعتماد توصيات مؤتمر في جامعة من الجامعات هي مثل حي في كون القرار المركزي للوزارة هو الذي يحدد مصير تلك المؤتمرات وغيرها من القضايا العلمية البحتة، ولا توجد صلاحيات لمدير أو مجلس جامعة في اتخاذ قرار علمي هم أعلم به من غيرهم من المجالس أو السلطات الإدارية في الوزارات المعنية.
وقد قيل في مفهوم الإدارة إنك إذا نقلت مشكلة إلى مديرك، فأنت مجرد مراسل، أما إذا نقلتها مع اقتراح حلها فأنت مستشار، وإذا نقلتها وقد بادرت إلى حلها فأنت قائد. والنظام المركزي ضمن عيوبه لديه جيش كبير من المراسلين ونسبة بسيطة من المستشارين، ولكنه لا يربى قيادات إدارية تبادر إلى حل المشكلات التي تواجهها تلك الإدارات والمؤسسات.