جاسر عبدالعزيز الجاسر
الحقيقة التي لم تستوعبها عواصم القرار الدولي التي تتأكد مراراً، أن الدول التي تحكمها أنظمة شمولية ويرأسها حكام مستبدون لا يهمهم ما تعانيه شعوبهم، وأن الضحايا من قتلى ومعتقلين ليسوا سوى أرقام تحضر في التقارير والإيجازات التي يقدمها من ينفذون أوامر هؤلاء الحكام والقادة المتسلطين، وأن هؤلاء الحكام دائماً ما يستغلون تراخي المجتمع الدولي وضعف اليد القوية التي تستطيع إيقافهم عند حدهم، بل إنهم يتمادون أكثر في غيّهم ويذهبون بعيداً في ارتكاب الجرائم ويزيد شرهم عندما يستشعرون نتيجة عقابهم أو تركهم فترة أخرى متربعين على السلطة في البلاد التي يحكمونها.
بشار الأسد من هذه الفئة من الحكام، بل يعد نموذجاً للحكام القتلة، فما أن علم بأن الإدارة الأمريكية لم تعد تعتبره هدفاً أولاً لتخليص الشعب السوري منه حتى عاد للتمادي وارتكاب الآثام، وأعطى أوامره لجيشه وطائراته الحربية بارتكاب جريمة إرهابية مروّعة، تمثلت في شنّ طائرات نظام بشار الأسد فجر يوم الثلاثاء أمس الأول، غارات على مدينة خان شيخون جنوب محافظة إدلب، مستخدمة صواريخ محملة بغازات كيميائية سامة تتشابه أعراضها مع أعراض «غاز السارين»، مما تسبب في سقوط قرابة المائة قتيل وأكثر من 400 من سكان المدينة، وهذه الحصيلة هي ما أعلن يوم الثلاثاء، ومن المؤكد ارتفاع أرقام هذه الجريمة المروعة التي لم تكتفِ بها طائرات بشار الأسد، بل لاحقت المصابين والجرحى الذين نقلوا إلى المستشفيات وأطلقت صواريخها على تلك المشافي، مما رفع أعداد القتلى والمصابين الذين أظهرت الصور وجود عدد كبير بينهم من الأطفال الذين لفوا بـ»ملاءات بيض»، وحاول المسعفون رشهم بالمياه لمنع الغازات السامة عن أجسادهم اليانعة.
جريمة خان شيخون الجديدة هذه تضاف إلى سجل نظام بشار الأسد رغم تحذير مجلس الأمن الدولي للأطراف المتحاربة في سوريا من استخدام الغازات الكيماوية والسامة والمحرقة، إلا أنه كرر أكثر من مرة ارتكاب جرائم الحرب وقصف المناطق المدنية في خرق لميثاق جنيف ولقرارات مجلس الأمن أرقام «2118 و2209 و2235 و2254»، ورغم إصدار هذه القرارات الأربعة إلا أن نظام بشار الأسد يواصل إجرامه الذي ما كان له أن يتواصل لولا المواقف الدولية الهزيلة التي لا تعبأ بحياة المدنيين.
هذه الجريمة التي تأكدت لجهات دولية تراقب أفعال المتحاربين فوق الأرض السورية، تفرض على الرئيس الروسي بوتين والرئيس التركي اللذين يكفلان إلزام الأطراف المتقاتلة في سوريا ويضمنان عدم خرق وقف إطلاق النار من خلال ما اتفق عليه في أستانة، وتفرض عليهما واجباً أخلاقياً قبل التزامهما السياسي وهو فرض عقوبات على بشار الأسد، وأن تعملا بوضوح وبدون مواربة لإزاحته حتى يطمئن الشعب السوري ويعود إلى حياته الطبيعية التي دمرها بشار الأسد.