فهد بن جليد
تخيل أنَّ مئات الأشخاص يسكبون يومياً (الأصباغ) على تلك اللوحة التي تدور (أتوماتيكياً) كلما عبر أحدهم بجوارها، لتختلط الألوان مع بعضها على مدى 4 أيام -هي عمر- مهرجان (مسك آرت) الموعودون في نهايته، بأن تعكس لنا هذه اللوحة التنوع والتمازج الذي يعيشه المجتمع في حالة من العمق الإبداعي الفطري.
يُحسب لمهرجان (مسك آرت) أنه كسر الحاجز الوهمي الذي عادة ما نشعر به عند زيارة المعارض الفنية التشكيلية، وأتاح الفُرصة لزواره من الناس العاديين ومتذوقي الفنون الإبداعية -بكافة الأعمار- التفاعل ومُشاركة 100 من الفنانين المحترفين -من الجنسين- عن قرب، في تجربة فريدة ومُلهمة لخلق حالة من الإبداع اللاَّ مُتناهي في الهواء الطلق إشباعاً لذائقة المجتمع.
من الواضح أنَّ جميع عناصر المهرجان وأنشطته دُرست وجُمعت (بعناية فائقة) وكأنَّها ريشة فنان مُبدع رَسمت لوحة حالمة، بدءًا من أقسام الأطفال التعليمية والترفيهية، ومروراً بفنون النحت والرسم الضوئي والجرافيتي ومعارض الأعمال السعودية والخليجية والعالمية، وصولاً إلى أركان ومَراسم الفنانين والفنانات التي تشدُك فيها الفنانة السعودية (بدرية)، وهي مُنهمكة في نثر الألوان على (جداريتها) وسط الجمهور -مُتحدثةً معهم ومُجيبةً على أسئلتهم- وقد تلطخ (الروب الفني) الذي ترتديه هو الآخر بالأصباغ في مشهد نادر الحدوث، ولكنه -كشف لي- الشغف المجتمعي نحو الإبداع الفني والبحث عن المعرفة فيه، مما يؤسس بالفعل وبشكل عملي لأرضية تساهم في تطوير مثل هذه الصناعة الراقية مُستقبلاً بين أفراد المجتمع, وانتعاشها لتؤثر إيجابياً على سلوك أفراده بإحساس فني.
مؤسسة محمد بن سلمان (مسك الخيرية) وضعتنا بهذه الفعالية التي تنظمها -لأول مرة في المملكة- على أعتاب سوق فني مُستقبلي ترتفع فيه ذائقة المهتمين إلى مستويات أعلى، قبل أن يدعم المُمارسين لهذه الفنون ومُحترفيها، وهي حاجة وحقيقة غابت (سنين طويلة) عن اهتمامات المجتمع وأولويات أذهان المُستثمرين الاستهلاكية، عندما كانت مثل هذه المعارض والمهرجانات (صامتة) وفقيرة جماهيرياً، تُنظم على استحياء وكأنَّها تقتصر على فئات خاصة ومخملية لجمع التبرعات أو التفاخر بالاقتناء.
تذوق الفنون البصرية المُختلفة، حق طبيعي ومُكتسب لكل أفراد المجتمع بكافة الأعمار والمستويات، وتكرار تنظيم مثل هذه الفعالية بأيدي وأفكار شباب (مسك الخيرية) سيضمن صنع الفارق مُستقبلاً -لا محالة-!
وعلى دروب الخير نلتقي.