سعد بن عبدالقادر القويعي
قراءة الحدث السياسي، وأبعاده المتعددة، تؤكد أن الحرب في اليمن ليست مذهبية، وإنما لها علاقة بالأمن القومي العربي، ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه في معادلة التوازنات الاسترتيجية بين دول منطقة الخليج العربي، والقوى الإقليمية الأخرى، ومواجهة ما يحصل في المشهد اليمني، بعد أن استنفدت دول الخليج العربي الوصول إلى حلول سلمية مع الميليشيات الحوثية الإرهابية، ورأب الصدع اليمني، وإعادة السلام على أراضيه، والتي لم تصادف إلا جحوداً، وعدوانا.
ولأن التاريخ لا يكرر حوادثه بقدر ما يعيد التنويع على بعضها من زاوية المأساة، فإن العصابة الحوثية تمادت في طغيانها، واستكبارها، وعاثت في الأراضي اليمنية فساداً، وخراباً. وكان التهديد الإستراتيجي لدول الخليج العربي متنامياً، وغير مقبول على الإطلاق، حين أظهرت الأزمة اليمنية مظهراً آخر لاختراق النظام الإقليمي العربي؛ لتأتي عاصفة الحزم؛ من أجل إيقاف الزحف الحوثي، وإلجام تحركاته المشبوهة التي استهدفت مع الأسف الشرعية، وعملت على تهديد أمن اليمن، والأمن القومي.
لم يكن الانقلاب الحوثي على الشرعية، والثورة في اليمن، واستباحة أراضيه، وتخريب ممتلكاته، وزعزعة استقراره، مع رفضهم التام لكل الدعوات الدولية لهم بضرورة إعمال العقل، والمنطق؛ من أجل إعلاء مصلحة اليمن العليا، سوى الامتثال إلى القانون الدولي الذي يمثل العلاقة بين الدول، واتخاذ التدابير العسكرية التي يتخذها مجلس الأمن في إطار الفصل السابع المتعلق بمواجهة حالات تهديد السلم، والإخلال به، والعدوان، الأمر الذي جعل من - الرئيس اليمني - عبدربه منصور هادي الاستنجاد بقادة دول مجلس التعاون الخليجي، بعد أن تمت تنحيته بالقوة من طرف ميليشيات مسلحة إرهابية.
ككل التدخلات التي عرفتها الممارسات الدولية، فإن التدخل العسكري لدول التحالف في اليمن من الناحية القانونية، جاء وفقاً للمادة " 51 " من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على: " أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف، أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى، أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة "، *****- وعليه - فإن ترسيخ مفهوم احترام الشرعية، واحترام القوانين، والمواثيق الدولية، هو ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة، كما استندت عاصفة الحزم إلى اتفاقية معاهدة الدفاع العربي المشترك، والتعاون الاقتصادي، الموقّعة سنة 1950م، حيث ورد في المادة الخامسة منه، على: " أن التعاون بين دول الجامعة العربية، يتمثل في إعداد الخطط العسكرية؛ لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة، أو أي اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة، أو أكثر من الدول المتعاقدة، أو على قواتها، وتستند في إعداد هذه الخطط على الأسس التي يقررها مجلس الدفاع المشترك ".
ثم إن تدخل دول التحالف في اليمن تؤيده المصالح العليا لدول المنطقة - عموماً -، ودول مجلس التعاون الخليجي - خصوصاً -، الذي يعنيها استقرار اليمن، ووحدة أراضيه، باعتبار أن اليمن جزء مكمل لأمن دول الخليج العربي، - وبالتالي - فإن عملية عاصفة الحزم هي جزء من عمليات مكافحة، وتجفيف منابع الإرهاب في المنطقة، وعدم السماح بسقوط الممرات البحرية تحت سيطرة الحوثيين، وعدم السماح لإيران بفرض سيطرتها على اليمن، وحصار السعودية من قبل العراق، واليمن، والممرات المائية - هذا من جهة -، - ومن جهة أخرى - فقد عملت على إيقاف العمليات الإرهابية التي قامت بها الميليشيات الحوثية، وتعديها على مؤسسات الدولة الشرعية.
وقوف إرادة دول التحالف العربي إلى جانب إرادة الشعب اليمني الذي عملت كل قواه الوطنية بمختلف انتماءاتها السياسية، ومشاربها الفكرية، وبكل جهودها لإنجاح الحوار الوطني، وإعادة أسلحة الجيش اليمني التي تمت السيطرة عليها بالقوة، والعمل على دعم استمرار العملية السياسية السلمية؛ من أجل تحقيق الانفراج للأزمة اليمنية، وإنهائها - تماماً -، ومن ثم التقدم نحو المستقبل بروح الشراكة الوطنية. والحق أن الديبلوماسية - الخليجية العربية - أعادت الثقة إلى المواطن العربي من خلال انتصارها للقضية اليمنية، بعد أن جاءت المليشيات المسلحة لتنقلب على مخرجات الإجماع الوطني، بل إن الروح الإيجابية للعملية التي قامت بها دول مجلس التحالف العربي، وأهدافها، وحجمها، وأساليبها، أكد على الموقف الجديد من العمل العربي المشترك، والذي أسس لمرحلة جديدة من الحرب على الاختلاف، والفرقة، وفتح العالم العربي على مصراعيه؛ للتصدي لعبث دول إقليمية سعت - مع الأسف - إلى فرض حساباتها على حساب الأمن القومي العربي.
إن الحرب الراهنة في اليمن، يتوقف عليها مسار التوازن الإقليمي، لكونه صراعاً إقليمياً متعدد الأبعاد. - وعليه - فإن انتصار قوات التحالف العربي في اليمن، هو انتصار لكل العرب على المشروع الفارسي البغيض، ومشروع الفوضى الخلاقة القبيح في المنطقة، - باعتبار - أن نجاح أهداف التحالف، يعني ترسيخ استقلالية أمن الخليج عن الضمانة الأمريكية، وقطع الذرائع الإيرانية في اليمن، وسحب أذرعها في دول أخرى، كالعراق، وسوريا، ولبنان. ولن أبالغ حين أقول: إن تحرير اليمن كان بداية مبكرة لفرصة بناء نظام أمن قومي عربي، - سواء - على مستوى النظام العربي - برمته -، أو على مستوى نظام عربي فرعي في الخليج، أو في المشرق، أو في المغرب.
ستنتهي هذه العملية بنجاح كبير، وبانتصار حاسم لقوات التحالف - بإذن الله -، بعد أن توافرت المبررات الأخلاقية، والسياسية للتدخل في اليمن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن عزم الحكومة اليمنية الشرعية بصدد إعداد ملف عن جرائم الحوثيين ضد المدنيين في اليمن؛ تمهيداً لمحاكمتهم دولياً، وتورطهم في الدم اليمني حق مشروع. - وفي تقديري - أن خطوة كهذه تعد حدثاً خارقاً، واستثنائياً، ستضمن المساءلة عن جرائم هذه الميليشيات، وذلك بموجب المعايير الدولية التي أسسها نظام المحكمة الجنائية الدولية الأساس، والشروع في التحقيق في الجرائم التي ارتكبها، ويرتكبها الحوثيون على اختلاف أزمانها، وأشكالها، وفقا لقاعدة: " أن الحقوق لا تسقط بالتقادم "، وألا أحد فوق القانون، مهما حاول إخفاء جرائمه.
إن الملاحقة القانونية للميليشيات الحوثية، ولأنصار الرئيس المخلوع مطلب في غاية الأهمية، - سواء - كانت هذه المطالبة المشروعة أمام القضاء اليمني المحلي، أو أمام القضاء الدولي، باعتبار أن ما تقوم به هذه العصابات من جرائم خطيرة، يعد وفقا لقانون العقوبات الجنائي اليمني من جرائم الحرابة. ووفقا لتوصيف قوانين مكافحة الإرهاب الدولي يعد من جرائم الإرهاب، وذلك وفقا للقانون الدولي التي تصنفها قوانين الأمم المتحدة من جرائم الحروب التي تختص بها المحاكم الدولية.
إن التأكيد على شرعية - الرئيس اليمني المنتخب - عبد ربه منصور هادي، وعلى عدم المساس بوحدة، وسيادة، واستقلال اليمن، وعلى ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، وحقوق الإنسان في اليمن، يمثل الحجة القانونية الأساس، بل هو من الناحية القانونية السياسية حق مشروع؛ من أجل بناء الشرعية، والاستقرار في دولة تمزقها الكثير من الصراعات، والتحديات. وهذا هو السيناريو الواجب تقديمه لليمن حالياً؛ من أجل إنقاذه من السقوط في الهاوية، والعمل على ضرورة تثبيت الشرعية، والوقوف بحزم أمام أي أجندة تريد أن تعبث بأمن المنطقة، وتحولها إلى بؤرة توتر، وانفلات أمني على الإقليم، بل وعلى السلم الدولي، وذاك حق مشروع، وخيار إستراتيجي مطلوب، سيغير من طبيعة تحالفات دولية على حساب جهات إقليمية، عندما تنقلب - بإذن الله - كل المشاريع المشبوهة في المنطقة.
إن من الخطوات الفاعلة في هذا الباب تعزيز الإشادة بحسن التفكير، وبراعة التدبير لتوقيت عاصفة الحزم بظرفيها - الزمني والمكاني -. وضرورة الإشادة بالدور البطولي لجنود الوطن عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي. والمراهنة على تأكيد الوعي السياسي لدى المواطن، ومستوى إدراكه، ووعيه أمام المخططات المشبوهة، والتحديات الخارجية، وتزييف الحقائق، ونشر الشائعات. وسيبقى التماسك الداخلي - بعد ذلك - داعماً للجهدين - السياسي والعسكري - للدولة.
شعوراً بالخطر المحدق، وقياماً بالمسؤولية الكبيرة، فإن الأمن الوطني، والسلم الأهلي، والعيش المشترك، أمور غير قابلة للمساومة؛ لأنها تعنينا جميعاً عبر وسائل الحوار، وتوحيد الكلمة، والمواقف، والتي ستكون - بإذن الله - داعماً للمجهود العسكري لدول التحالف، بل ستكون عاملاً رئيساً في تحقيق النصر في جبهات القتال، لكونها تشكل القوة، والمنعة التي بهما سننتصر على كافة التحديات، والأخطار، ومثيري الفتن، وصناع الأزمات، وستمكننا - أيضاً - من كسب الكثير من الرهانات على الخارطة العربية، والإقليمية، والدولية.