ميسون أبو بكر
يمكن للسياحة أن تكون مصدر دخل رئيساً في المملكة. ولن أتحدث هنا عن السياحة الدينية؛ فهي يمكنها أن تكون مصدر دخل اقتصادي هائل إن وُضعت لها الخطط التي تضمن ذلك، لكن أتحدث عن السياحة الداخلية التي تقتصر على المواطنين والمقيمين في المملكة وزوار الفعاليات المختلفة والجامعات والوزارات الذين يمكن ألا تقتصر زيارتهم لحضور المؤتمر أو الفعالية، بل يمكن أن تكون هناك جولات سياحية منظمة لأهم الأماكن السياحية والأثرية في البلاد، مثل مدينة العلا ومدائن صالح ثم عسير التي يعانق غيمها أرضها، وجدة المنفذ البحري، والشرقية كذلك، ووادي حنيفة والبجيري في الرياض، فضلاً عن المخيمات التي تعتبر سياحة برية متميزة بين أحضان الطبيعة وعلى عشب الأرض الأخضر، الذي كان مخاض هدايا السماء وفصل الشتاء الوافر المطر.
وما ذكرته سابقًا هو غيض من فيض؛ إذ لا يمكن حصر الأماكن التي يمكنها أن تكون قِبلة للسياح ومتنفسًا للجميع.
السياحة صناعة يمكن أن يشارك في نجاحها عدد من العناصر والخطط وجهود جهات عديدة، يمكنها أن تكون وثبة حقيقية في التحول الوطني ورؤية 2030.
المملكة مهد الحضارات.. والشواهد على أرض الواقع وفي المتاحف المحلية والعالمية كذلك، وجهود هيئة السياحة والآثار جلية واضحة، يمكن أن تؤتي ثمارها إن تضافرت معها جهود جهات عدة.
منتجات الأسر المنتجة وعروضهم المنوعة والقاطرات أو عربات الطعام والمشروبات التي يعمل بها الشباب السعودي، ولا تقل عن 250 عربة في الرياض وحدها، ثم وجودها في القصيم، وقد قدمت الحكومة القروض والتسهيلات والرخص لها.. فبإمكانها أن تنعش المناطق السياحية، وتوفر الخدمات والمأكولات للسياح، كما تعد مصدر دخل للشباب السعودي العامل بها.
كذلك المواقع الأثرية، كالقرية التراثية في الغاط أنموذجًا، التي كانت مثالاً رائعًا وقت زيارة الأمير فيصل بن بندر أمير الرياض للغاط والزلفي، يمكنها أن تفتح أبوابها طوال العام؛ إذ تعتبر شاهدًا على التاريخ ومهيأة بالمحال وأماكن للأسر المنتجة والفن التشكيلي والعروض الفلكلورية، إضافة إلى قصر الملك عبدالعزيز فيها وما يحتوي من متحف ثري بكل ما يتعلق بالملك المؤسس، وقاعة سينما لعرض أفلام وثائقية، تظل تذكر الأجيال به.
مهرجاناتنا المتعددة أصبحت أيضًا وجهة سياحية لما تحتويه من نشاطات ومرافق مختلفة، تجذب المواطن والمقيم في حضن طبيعة خاصة بالمهرجان والمنطقة، كان آخرها مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل الذي خرج من كونه مزاين للإبل إلى مهرجان متعدد النشاطات، مثل مسرح للطفل ومرسم ومسرح لفرق عالمية ومرصد فلكي ومتحف لكل ما يتعلق بالإبل من جانب تاريخي وديني وعلمي.. ومما شاهدت ويذكر حضور المسؤولين فيه واجتماعهم اليومي لرصد وتلافي أي خطأ، كما همة الشباب في كل مرفق بالمهرجان، وشباب العلاقات الذين كانوا خير دليل لي وللزوار.
السياحة صناعة، ولكي تكون ناجحة فلا بد أن نشير إلى مواقع الخلل، مثل عدم تأهيل العمالة في المطاعم والمرافق السياحية، وعدم وجود الخبرة والتدريب الكافي لبعض الشباب الذي يعمل في هذا القطاع، وعدم تأهيل الأماكن السياحية بما يخدم مرتاديها.. فقبل أيام تابعت سنابات لإعلاميين، صوروا من البجيري (مثالاً)، وأشاروا إلى عدم وجود كراسي مظللة عن الشمس والمطر، والكراسي الموجودة خرسانات صلبة، تشوه المكان على خلاف أوروبا التي تنثر المقاعد والمقاهي في كل مكان.
ثم البحيرات مليئة بالقمامة وبقايا المعلبات دون وجود عمالة تعتني بتنظيفها باستمرار، وعقوبات لمن يشوه المنظر العام برمي المخلفات.
وفي جولتهم اقترح البعض فتح المحال في أيام العطل بعد صلاة الفجر، وخصوصًا بالصيف؛ لأنه أجمل وقت لزيارة البجيري من بعد الفجر حتى طلوع الشمس بساعة أو ساعتين؛ إذ يصعب بعدها الجلوس في الخارج أو (التمشي) حول البحيرات بسبب حرارة الطقس وسطوع الشمس.
هذه اقتراحات يمكنها أن تسهم في نجاح النشاط السياحي، والكثير أيضًا مما يضيق به المجال هنا.
مملكتنا ساحرة ومتنوعة التضاريس والأماكن، ويمكن لكل تلك الأموال التي تذهب للسياحة في الخارج أن تستثمر داخليًّا، إلى أن نحقق معادلة السياحة العالمية؛ لتكون المملكة وجهة سياحية عالمية غنية بالآثار والمناطق الخلابة. وقد لمسنا في شبابنا الجد والاندماج في فرص عمل كثيرة، صنعوها حسب ميولهم.
شاي الكرك والعربات وأكلات الأسر المنتجة والفرق الفلكلورية وأيضًا النشاطات المتميزة في المخيمات خير دليل على ذلك.
إجازة ممتعة في ربوع وطننا الغالي.