محمد آل الشيخ
كتبت مرات عديدة، أن التأسلم السياسي، هو الظاهرة التي استغلها المتأسلمون المسيسون الانتهازيون، منذ الخوارج في صدر الإسلام، وانتهاء بجماعة الإخوان المصرية المتأسلمة، وربيبتيها القاعدة وداعش. لذلك فأنا ممن يدعون بوضوح إلى النأي بدين الإسلام الحنيف عن السياسة ودهاليزها ومماحكاتها، وعن توظيف الإسلام توظيفاً سياسياً.
المسيس المتأسلم لا بد حتماً إلا أن يَتكهنَت بالضرورة، ليدّعي أنه يُمثل حكم الله في الأرض، وإن ما يطرحه من آراء سياسية ما هو إلا حكم آلهي، وليس حكماً بشرياً. ومعروف تاريخياً أن أول من رفع شعار (لا حكم إلا لله) وادّعى تمثيله جل شأنه كانوا الخوارج، عندما انطلقت ثورتهم في القرن الهجري الأول، وهو الشعار ذاته ترفعه الآن جماعة الإخوان المتأسلمين المصرية، والجماعات المتأسلمة المنبثقة عنها.
الدين أولاً وقبل كل شيء، علاقة بين الإنسان وربه دونما وسطاء، بشراً كانوا أو غير بشر؛ ولا يحق لكائن من كان، محاسبة الإنسان على التزامه بالدين، أو على تفريطه به إلا الله حصراً؛ فالمعيار {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}، ولن يسألك جل وعلا عن ذنوب غيرك ولو كان أقرب الأقرباء إليك؛ وهذا فحوى قوله جل شأنه مُخاطباً المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
والمسلم الحق هو من يلتزم بأركان الإسلام الخمسة، وتلك الأركان جميعها تنحصر (فقط) في تنظيم علاقة المسلم بربه، من التزم بها ولم يلتزم بغيرها دخل الجنة، كما جاء في حديث الرسول مع الأعرابي في صحيح البخاري الذي سأله عن ماهيّة الإسلام، فأجابه بالالتزام بأركان الإسلام الخمسة؛ ولم يضف إليها شرطاً آخر من تلك الشروط التي نص عليها الفقهاء المسلمون فيما بعد، الذين ضيّقوا على الناس، وألحقوا به من الشروط ما لم يشترطها صلى الله عليه وسلم على السائل الأعرابي؛ وهذا هو الأس الأول، والقاعدة الصلبة، التي تقوم عليها وترتكز (سماحة) الإسلام.
كما أن ظاهرة (التكفير)، وإخراج بعض المسلمين من الملة، مارسها بعض الفقهاء، خاصة الغلاة منهم بعد زمن الرسالة، وهي اجتهادات إنسانية، وليست كما يزعم أصحابها أوامر ربانية، تتوقف عليها سلامة الدين.
وفي رأيي أن ثوابت الإسلام، التي تخترق الزمان وتنطبق على المسلم في كل مكان، هي أركان الإسلام الخمسة، فهي بمثابة الفواصل الحدودية التي تفصل بين المسلم وغير المسلم عملياً، أما القضايا الحياتية التي تتعلق بشأن دنيوي وليس ديني، مثل الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً، ونحوها، فهي لا تُخرجك من الدين الحنيف، وبالتالي لا يستطيع كائن من كان أن يخرجك من الدين لهذه الأسباب، فالأمر موكول إليه؛ إلا إن كان هذا الفقيه، أو ذاك الداعية لديه (تفويض) منه جل شأنه، يخوله أن يصفك بهذه الصفة التكفيرية، وينزع منك الهوية الإسلامية، كما يفعل المتزمتون الغلاة المكفراتية.
نعم نستطيع أن نقضي على مكونات الإرهاب فوق الأرض، وكذلك ثقافة البغضاء والكراهية للآخرين، ممن هم ليسوا على دينك أو مذهبك، باستخدام الوسائل الأمنية، لكن البنية التحتية الكامنة تحت الأرض، ستبقى كامنة، كفيروسات الأمراض والأوبئة، ما إن تجد فرصة بيئية ومناخية مواتية، فستعود ثانية؛ لذلك لا مناص من عزل الدين عن السياسة.
إلى اللقاء،،،