خالد بن حمد المالك
استدعى قوة بلاده فاتكأ عليها وهو يتحدث إلى مشايخ اليمن، واستلهم حزم أبيه الملك سلمان فحاكاه وهو يخاطب من رأى فيهم شركاءً لإحلال السلام في اليمن، وتذكَّر بطولات جده الملك عبدالعزيز ونَظمه للكلام فشعر بمسؤولياته وهو يواجه من تأكد له أنهم ضد استمرار الحالة اليمنية الراهنة وتدخل إيران العدواني في بلادهم.
* *
هكذا بدتْ أمامي صورة الأمير محمد بن سلمان، وأنا أصغي بانتباه واهتمام إلى كلمته البليغة أمام نخبة من المشايخ اليمنيين، بصوته الجهوري، وخلفيته التاريخية التي خَصَّ اليمن بشيء كثير منها، وتركيزه في كلامه على ما يعزز ويعبِّر للحضور عن حقيقة المواقف الثابتة للمملكة من اليمن ماضٍ وحاضر وفي المستقبل، ما جعل من كلمته أمامهم خارطة طريق لإنقاذ اليمن، والاطمئنان على أن اليمن ليس للبيع، والمملكة العربية السعودية وشركاؤها من الخليجيين والعرب والمسلمين لهم هذا الموقف.
* *
المملكة وموقفها من اليمن، ليس عندي ما أزيد به على ما قاله ولي ولي العهد، وإن أردت أن أضع النقاط على الحروف، فالمملكة هي التي كانت تغطي العجز في ميزانيات الشقيقة اليمن دون أن تمنَّ بذلك على مدى عقود من الزمن، وهي مَن قامت بإعمارها وبناء كثير من مدارسها ومستشفياتها وطرقها، بعضها معلن، وكثير منه لم يُعلن عنه، فضلاً عن أنها فتحت حدودها على امتداد التاريخ أمام الملايين من اليمنيين ليقيموا ويعملوا في المملكة، ولهم من الاستثناءات في العمل والإقامة ما لم يعط لغيرهم من الجنسيات الأخرى.
* *
وإذا كان هناك عددٌ من اليمنيين، وتحديداً الحوثيون وأتباع المخلوع قد وقعوا في شرك خداع الإيرانيين، فإن غالبية اليمنيين أحرارٌ، ولم يغرهم مال إيران ولا سلاحها، ولم يؤثر إعلامها في مواقفهم، وظل اليمن الحر الأبي المستقل معادلةً صعبة على الخونة والعدو، وسيظل أحرار اليمن يدافعون عن بلادهم ومعهم شريحة من اليمنيين ممن فشلت إيران بأن تضعهم في قائمة اهتمامتها المذهبية، فقد أبوا أن ينساقوا إلى ما تدبره إيران متمسكين بوحدة وطنهم واستقراره.
* *
كان محمد بن سلمان صلباً وقوياً وشجاعاً وواثقاً من أن النصر آتٍ وعمَّا قريب، فحسابات إيران وأعوانها شيء، وحسابات سموه ومعه الشرفاء اليمنيون شيء آخر، هم يتحدثون عن انتصارات وهمية، وفقاعات في الهواء الإعلامي، وسموه يتحدث عن انتصارات حقيقية على الأرض اليمنية، هم يحصرون اهتمامهم بالمذهب لدغدغة مشاعر شريحة من المواطنين، وهو يحصر انحيازه مع كل اليمنيين باستثناء الفئة التي تريد أن تبيع اليمن لإيران.
* *
وبالقدر الذي أعطى الأمير دروساً في الدبلوماسية والصدق وعدم التخلي عن اليمن، فقد أكد اهتمام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده باستقرار اليمن ووحدته واستقلاله، وإبعاده عن حالة الفوضى والمزاج الانقلابي على الشرعية، وقد اعتبر اليمن الحديقة الخلفية للمملكة، وإن لم يقل ذلك صراحة، وأن المملكة لا يمكن لها أن تقبل بأن يُستغل اليمن للإضرار بأمن واستقرار الجارة الكبرى المملكة العربية السعودية سواء من إيران أو غير إيران.
* *
والأمير عبَّر عن حُبِّ المملكة لليمن واليمنيين، ونقل تحيات الملك سلمان والأمير محمد بن نايف الحارة لليمنيين، وأن بلاده معنية باستقرار اليمن، وشريكة في المسؤولية عن ازدهاره، وحريصة عليه حرصها على المملكة من حيث الأمن، والتركيز على التنمية، وفتح المجال للتعاون الثنائي المفيد للدولتين والشعبين الشقيقين.
* *
قال ولي ولي العهد كلاماً مهماً في خطابه أمام كبار مشايخ القبائل اليمنية، وفي جزء نقتطعه من الخطاب أشار سموه إلى أن اليمن «هي عمق العرب، هي أساس العرب، هي أصل العرب، وأن أعراقنا ترجع بالأخير لليمن»، مضيفاً في تحليل لحجم الخطأ الكبير الذي ارتكبه العدو في اليمن أنه حاول أن يمسَّ عمق وصلب العرب أي اليمن، فانقلبت الطاولة عليه ليس في اليمن فحسب، بل في كل العالم العربي والإسلامي، السبب لأن العدو - والمعني بذلك إيران - مسَّ عمق العرب وهو اليمن، لتدخله السافر الذي لم يحصد فيه إلا الخيبة والفشل والهزيمة المذلة في ثمانين في المائة من أرض اليمن الشقيق.
يتبع