جنيف - خاص بـ«الجزيرة»:
ثمّن رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية سفيان مهاجري زيان ما قدّمته المملكة العربية السعودية للأمة الإسلامية والمتمثلة في إقامة المساجد والمراكز والمعاهد والجامعات مما كان له الأثر في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية في بلدان الأقليات المسلمة. وقال رئيس الهيئة سفيان زيان في حواره مع «الجزيرة» إنّ هناك من يتعمّد تشويه صورة المملكة عند المسلمين، وتخويف الرأي العام منها والسعي لمحاولة ربط التطرّف والإرهاب بالمملكة، مشيراً إلى أكبر تحدٍّ يواجه الأقليات المسلمة في الخارج وهو انحراف الأبناء عقائدياً وسلوكياً، وأن الإهمال الأسري والتجاهل الحكومي وتقصير المجتمع المدني وراء انخراط شباب أوروبا في تنظيم داعش. كما تناول الحوار مع رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية عدداً من الموضوعات المتعلقة بالساحة الإسلامية، وفيما يلي نصّ الحوار:
* بدايةً ما أبرز التحديات التي تواجه دول الأقليات المسلمة في الخارج؟
- أشكركم على الحوار، وأشكر لكم العناية بالجالية المسلمة والأقليات، والاهتمام بقضاياها، ولعل هذا ما ميّز وسائل الإعلام في المملكة العربية السعودية.
فيما يخص سؤالكم حول التحديات التي تواجه الجالية المسلمة في المهجر فهي كثيرة، بل بعضها لا يمكن إدراك حقيقته إلا بالعيش في أوساطها وتقاسم يومياتها، ولكن يمكن أن نقول إن أكبر تحدٍّ انحراف الأبناء عقائدياً وسلوكياً، فلا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، بسبب الاندماج الكلي في الشارع والمدرسة والنادي ومختلف أنشطة المجتمع المدني أو ما يعرف بالمجتمع الأهلي، وهو حقل بدائلنا فيه ضعيفة إن لم نقل منعدمة، إلى جانب عدم وحدة المسلمين؛ وانقسامهم في أوروبا بشكل عام، وهذه الحال أو الواقع جعل أمرنا لا يتناسب مع مكانة الإسلام في أوروبا اليوم، ولا يعبر عن حقيقة وجود المسلمين فيها، ومن المفروض أن نكون عنصراً فعالاً له إسهاماته المتميزة إن لم نقل من جماعات الضغط، ومن التحديات -أيضاً- ظهور وانتشار اليمين المتطرف الذي يستهدف الإسلام، بتسخير كل الإمكانات الإعلامية المتاحة لديهم، بينما يحرم الدعاة من حق الدفاع الشرعي والتعامل مع الجالية على أساس قومي، فضلاً عن نقص التعليم الإسلامي، فالمدارس الإسلامية موجودة لكنها غير كافية وهناك عوائق قانونية ومالية وغيرها لتأسيس مدارس خاصة.
* وما التحديات في الجانب العقدي؟
- يمكننا أن نوجزها في جملة مركزة أو إشكالية معمقة وهي: الذوبان خاصة استهداف الأبناء من الجيل الثالث والرابع، فهل الحل في الانعزال عن المجتمع للمحافظة على الهوية أم الاندماج الذي يفضي للذوبان، أو محاولة إيجاد حل وهو المشاركة الإيجابية في المجتمع مع المحافظة على الهوية الإسلامية ما يسمى عند البعض بالتعايش الإيجابي، إن أبرز هذه المشكلات تكمن في: ضعف التصور الاعتقادي.
والجالية المسلمة مطالبة بالتمسك بدينها وفق منهجه الوسطي المعتدل، وأن تبذل المزيد من الجهد في التعريف بالإسلام (دين الرحمة، والمحبة، والتسامح، والحوار و...) نظرياً وعملياً، والانفتاح على المجتمعات التي تعيش فيها الأقليات، والحوار مع أتباع الأديان والثقافات المختلفة، والتعاون معهم بما لا يخل بالهوية الإسلامية والمشاركة في خدمة المجتمع.
* وما الدور المأمول من الدول الإسلامية عموماً، والمملكة العربية السعودية خصوصاً؟
- المسلمون في العالم جسد واحد وأمة واحدة مهما تعددت أجناسهم ولغاتهم، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10) سورة الحجرات.
والواجب على الدول الإسلامية ومؤسساتها ورجال المال والأعمال فيها الاهتمام بالجالية المسلمة في المهجر ومساعدتها في علاج المشكلات والتحديات التي تواجهها بما يمكنهم من الحفاظ على هويتهم الإسلامية والعيش وفق مبادئ دينهم، ويمكن إجمال أهم حقول المساعدة في مساعدتهم في إنشاء المدارس التي تلبي حاجاتهم، وشراء مراكز إسلامية متكاملة فيها كل ما تحتاج إليه الجالية، والتعاون معهم في تأسيس أوقاف للمراكز الإسلامية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، والإسهام في إعداد الدعاة والأئمة والمفتين والمدرسين، ودعم برامج الأسرة والمرأة والطفل، والتعاون معها في تنظيم المناشط الإسلامية التربوية والثقافية والتعليمية وتقديم يد العون لوسائل الإعلام الخاصة بالأقليات، والاستفادة من الطاقات الموجودة في الخارج ونقل تجاربهم ضمن خطة وإستراتيجية واضحة يتجسد فيها التكامل الإسلامي لأمتنا.
أما المملكة العربية السعودية فهي أمل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وللأسف هناك خطة إعلامية لتشويه صورة المملكة عند المسلمين، يشارك فيها الخوارج والصفويين وأعداء الأمة التقليديين، والتخويف من كل ما يأتي من المملكة العربية السعودية، حسداً من عند أنفسهم، فمثلاً المساجد التابعة للمملكة يتربص بها ويتآمر عليها وتشوه سمعتها ويخوف الرأي العام منها، الدعاة الذين درسوا في المملكة يتهمون بالجملة بأنهم دعاة لإسلام راديكالي، بل السعي أو محاولة ربط التطرف والإرهاب بالمملكة العربية السعودية وتشويه بعض المصطلحات لدى الرأي العام مثل السلفية الوهابية، ولا شك أنّ للدولة السعودية جهوداً عظيمة في دعم الأقليات الإسلامية المنتشرة في العالم، يتمثل في إقامة المراكز والمعاهد التعليمية الإسلامية، وتأسيس الهيئات والمنظمات الإسلامية، حيث أولت الدولة السعودية المراكز والمعاهد والجامعات الإسلامية في بلاد الأقليات الإسلامية اهتماماً كبيراً؛ لأنها من أهم الوسائل في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية، فسعت إلى إنشائها وأنفقت مئات الملايين في سبيل تحقيق هذه الغاية، فكانت لها اليد البيضاء في هذا المجال من مجالات الأعمال الخيرة الصالحة.
* ظاهرة التكفير التي انتشرت في بعض الدول الأوروبية والتحق كثير من الشباب فيما يسمى بداعش.. ما أسباب ذلك؟
- لعل التطرق إلى هذه الموضوع وما شابهه يحتاج إلى فهم أو التعرف على أسباب انتشار ظاهرة التطرف والتحاق الشباب من أوروبا بداعش.
وحسب الدراسات التي صدرت في هذا الموضوع تبين أن من أسباب انتشار هذه الظاهرة تدهور الجانب النفسي لدى البعض منهم، كالاضطرابات النفسية والسلوكية، أو انحرافات متنوعة، فهي فئة يسهل تجنيدهم، وبيّنت التقارير أن داعش تشتغل مع أولئك، فهم غير متدينين ليكفروا عن ذنوبهم وخطاياهم بالشهادة، حسب تسويقهم أو زعمهم.
ومن أهم الأسباب الضغوط الاجتماعية والأسرية التي تفرز شخصية انتقامية عندها القابلية للقيام بالأعمال الإجرامية، حيث إن نسبة كبيرة منهم ممن يجذبهم التأويل المتشدد للإسلام، لأنهم يشعرون بالتهميش، وينحدرون من أسر تعاني مشكلات اجتماعية، وللأسف نحن ليس لنا فضاءات مناسبة لاستيعاب أو استقطاب هذه الشريحة من المجتمع وإنقاذها على الهدي الصحيح من الكتاب والسنة، للضعف المادي كما أشرت سابقاً، وهو حقل مناسب للمساعدة.
وللعلم فإن عدداً منهم يحملون الجنسية المزدوجة ويبلغ متوسط أعمارهم 25 عاماً (الرجال) و21 عاماً (النساء).
* وهل من إيضاحٍ أكثر عن بعض الحالات المحيّرة؟
- التحاق بعض الشباب بداعش من أصول أوروبية لم يترددوا على المساجد والذهاب بصفة مفاجئة وهذا يعني أنهم يعانون من مشكلات نفسية واجتماعية جعلتهم ينعزلون عن مجتمعاتهم، ويبحثون عن عالم آخر (الأسرة والجماعة البديلة) كما يسميها علماء النفس، وبعضهم يتعاطى المخدرات، مما تجعله صيداً سهلاً للجماعات الإجرامية ككل والجماعات الإرهابية على الخصوص، إلى جانب صغر السن المراهقين الذي لا يستطيعون التميز بين الحق والباطل، ولا الصواب والخطأ أو المتأثرين بالفكر المتشدد، ولعل من المؤسف هو الوقوع تحت تأثير خطاب وفتاوى شيوخ يرغبون في الاستشهاد وأنه أقرب وأهم طريق لدخول الجنة، وهو مثل تأثير الإعلام الداعشي في الشباب لانعدام الثقة في الغرب، أو في تأجيج الأوضاع سلباً، وجود المعايير المزدوجة الواضحة التي يعتمدها المجتمع الدولي والقوى الغربية، فالاحتلال المتواصل للأراضي الفلسطينية، والحصانة الجليّة التي تتمتّع بها إسرائيل، هما جرح لا يندمل لدى الكثيرين، إذ إن 77 في المائة من العرب يشعرون بأن قضية فلسطين إسلامية، لا فلسطينية وحسب.
* ومن يقف وراءها؟
- جهات عديدة هي الأطراف المسؤولة عن امتداد التطرّف في الدّاخل الأوروبيّ، غير أنّه يمكن الإشارة إلى أن مثلث الإهمال الأسري، والتجاهل الحكومي وتقصير المجتمع المدني، هو المسؤول مباشرة عن انخراط عدد من شباب أوروبا في تنظيم داعش.
فعلى الصعيد الأسري نشهد تفكّكًا ظاهراً للنواة العائليّة، وصعودًا واضحاً للنزعة الفردانية، وقابليّة للانخراط في دوائر الانحراف والتطرّف والجريمة عن وعي، أو عن غير وعي.
كما أنّ الأجهزة الحكوميّة في عدد من الدول الأوروبيّة تتعامل مع مطالب الشباب، في أحياء المهاجرين والضواحي الفقيرة، بمنطق التسويف، والهروب إلى الأمام، وتواجه تحرّكاتهم بالقنابل المسيلة للدموع. ولم تتجه بعد إلى بلورة إستراتيجية واضحة المعالم، وهو ما يصبّ في مزيد التضييق على هامش الحريّة لدى مسلمي أوروبا، ولا يرقى إلى معالجة الأسباب الحقيقيّة المنتجة لظاهرة التطرّف والنزوع نحو «داعش» في الدّاخل الأوروبي.
إن إدراك هذه الأسباب والتفاعل مع نتائجها ضروري لكسب الحرب أو المواجهة ضد الأيديولوجيات المتطرفة. والحدّ من جاذبية داعش وغيرها من المجموعات المشابهة، والقضاء على أيديولوجياتها الخطيرة، اتّخاذ إجراءات طويلة الأمد لمعالجة مختلف جذورها وأسبابها. كما يتطلّب مبادرات أوسع من استنكار العلماء المسلمين والدعاة لممارسات داعش، أكثر بكثير من الحملة العسكرية التي تُشَنّ حالياً.
* وما السبيل للحد من انتشارها في المجتمعات المسلمة؟
- الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية من أولوياتها في المرحلة الراهنة وضع إستراتيجية لتحصين الشباب في أوروبا من التطرف والإرهاب حيث نظمت دورات وبرامج لمواجهة من يحملون أفكاراً متطرفة.
وهي بصدد إعداد مؤتمر دولي حول مسلمي أوروبا في مواجهة الإرهاب الإستراتيجية وآليات التطبيق بشراكة مع السلطات السويسرية في الأشهر المقبلة، وعندنا نية أن نقيم في كل دولة أوروبية نشاط بين دورة ومؤتمر ويوم دراسي للحد من هذه الظاهرة.
* هل تعتقدون أن العلماء والدعاة نجحوا في التواصل مع الإعلام الجديد وبرامج التواصل الاجتماعي لنشر مكارم الأخلاق في مجتمعاتهم؟
- الإعلام الجديد؛ هو المستقبل الجديد الذي يسيطر على جميع مناحي الحياة، ويمكنه التحكم في اقتصاد الدول وسياساتها عن طريق الإنترنت، ومنهم مَن عرفه بأنه الإعلام المضلل، أصبح الإعلام الجديد هو «لغة العصر» بلا منافس أو منازع حقيقي، ونخشى أن يتحول إلى «لعنة العصر».
للإعلام الجديد فوائد جمة في الدعوة إلى الله إذا تَمَّ استخدامه بالأسلوب الصحيح والسليم.
الإعلام الجديد له تأثيرات إيجابية وسلبية على الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال.
الإعلام الجديد لا يقتصر استخدامه على نوع أو جنس معين، وإنما يستخدمه الجميع: الشباب، والأطفال، والفتيات، بأعمارهم كافة، وكل منهم له اهتماماته التي يبحثُ عنها على شبكة الإنترنت.
لا تمثل مواقع التواصل الاجتماعي العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها أصبحت عاملاً مهمًّا في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي. وللأسف الإعلام الجديد، تتجاهله عيون بعض العلماء والدعاة.
* الخلافات العقيمة لم تعد بين السياسيين والمفكرين والمثقفين.. لكن للأسف نجد أن الحوار بين الدعاة يفتقد للآداب التي حثنا عليها الإسلام.. كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
- نعم، هذا واقع مؤلم آخر، فالأصل البعد عن الخلافات التي تؤثر على وحدة المسلمين أو تعيق تعاونهم مع المجتمعات التي يعيشون فيها. لقد بلغ الخلاف ببعض الدعاة أن سُلطوا على بعضهم.. ثم نجد من الشباب من انخرط في عشرات الجماعات التي تتكاثر يوماً بعد يوم فيبدعون ويضللون ويفسقون غيرهم بل وصل حالهم إلى أن بدعوا دعاة وعلماء!
ومن أعجب ما رأيت أن تكون هناك قطيعة بين بعض الدعاة بسبب هفوة أو زلة أو كلمة، وليست هذه وحدها هي المصيبة وإنما المصيبة أن يكون كل واحد من هؤلاء الدعاة له أتباع يأتمرون بأمره ويغضبون لغضبه ويرضون برضاه، فترى الأمور قد تفاقمت وترى الخصومات قد صارت بين جماعات من المؤمنين!