سلمان بن محمد العُمري
لا أعلم ما هو الأصل في اللغة العربية لكلمة (البلشة)، ولا أظن أنها عامة الاستخدام في جميع البلدان العربية، ولربما كان لها مثيل من المرادفات التي تشابهها في المعاني والمدلول، وهي لفظة تطلق على كل شخص ذي أذى ويشغل الناس. وكما يقال أيضاً (فلان نشبة) وإن اختلفت المسميات فالمحصلة واحدة للخصائص.
ولا يكاد يخلو مجتمع صغيراً كان أم كبيراً من هذه العينات في العمل أو في الحي أو حتى التجمعات العائلية، فهذا (النشبة) يجلس بالمرصاد للعموم أو للبعض ويمطرهم بالأسئلة الفضولية والتدخل فيما لا يعنيه، ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة، وكل واردة وشاردة في الاجتماعات أو المناسبات حتى وإن كانت الأسئلة من الخصوصيات التي تضايق صاحبها فيسأل عن: الوظيفة، والراتب، والمصروفات، والأملاك، ويتعدى ذلك للسؤال عن الصلع أو الشيب والضعف والسمنة، والسبب في التأخر بالزواج والتأخر في الإنجاب ولما لم يكمل التعليم، ولماذا اختار السيارة نوعاً أو لوناً وأين سافر ولماذا؟ ومن ثم إلقاء اللوم على محدثه لم فعل كذا، ولم قام بذاك العمل، ولماذا ذهب؟ ولماذا تصرف؟، وربما أتبع ذلك بـ(التشره) لماذا لم يشاهده منذ مدة، ولم لم يخبره عن سفره أو عما عمله ولما سمع بأخباره من الناس؟ وكأنه والد له أو شريك معه!!.
والبعض هجر مجالس الزملاء والعائلة بسبب وجود (النشبة) أو (البلشة) في هذه المجالس وتغيب لئلا يمطره بالعتب الزايد المتكرر، حتى عده البعض من المقصرين في التواصل وهو في الحقيقة يتحاشى التقريع والتأنيب! وقد يمر هذا الإنسان الغائب بظروف لا يعلمها إلا الله فيزيده بسؤاله وتأنيبه معاناة وألماً نفسياً، والناس تتباين وتختلف في تحملها لمعاناتها وظروفها وإثارة الناس لها فهناك من لديه القدرة على تحمل ذلك والصبر، وهناك من لا يستطيع ولذا فهو يفضل الابتعاد عما يثير المنغصات عليه.
وما أسوأ من الشخص الذي يكون سبباً في مفارقة الناس للجماعة من صحبة أو قرابة وشر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه، وقد ورد في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها: أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلَّق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، متى عهدتني فحّاشا، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره.
وفي هذا الحديث بيان خطورة فحش الكلام ، وأن من أكثر منه حتى تحاشاه الناس خوفاً من شر لسانه، وإن الله جلّ جلاله ليبغض من هذه صفته، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليبغضُ الفاحش البذيء) رواه الترمذي، وصححه الألباني.