رمضان جريدي العنزي
المرتزق هو كل شخص يقوم بعمل ما من أجل مقابل مادي بغض النظر عن نوعية العمل أو الهدف أو الغاية، والمرتزق شخص مادي بحت يجري رهن نفسه طواعية خصيصاً لأهداف مختلفة ومتنوّعة، والارتزاق ظاهرة قديمة عرفت على مر العصور الماضية، لكن المرتزقة الآن توالدوا نموا ترعرعوا كثروا وتنوّعوا حتى إنهم أصبحوا مثل حبات الرمل أو يزيدون، صاروا جماعات وأفراداً، لهم مسميات وصفات وألقاب وأزياء وكنى ومريدون وأنصاراً، ينفثون سمومهم وغثاهم، يجيدون التصفيق والتمجيد والإشادة الفارغة، ولا يستحون من المداهنة والرياء ومسح الجوخ والنفاق، يمتهنون التضليل والتعتيم من خلال التستر على الحقيقية والواقع، لا أخلاق لهم ولا أعراف ولا مبادئ، هم مجرد «بزنانسة» يتاجرون بشكل خبيث في هموم الناس حاجاتهم وقضاياهم، باسم الاهتمام بهم، والدفاع عنهم، والانتصار لهم، يدعون القيم والمبادئ والتضحية والزهد ورفض الأنا وكفاية الحال وحب الآخرة، وهم يملكون البيوت الفارهة، والسيارات الفاخرة، والحدائق العامرة، والعقارات، ويشبهون الطواويس في الحركة والصوت، وعندهم الوقت الكافي لممارسة هواياتهم المفضّلة في السفر والسياحة، وحضور المناسبات المختلفة والتفرّغ لها، للمرتزقة عالم ضبابي صاخب مليء أساليب المراوغة والخداع وابتكار القصص والبطولات، نماذج بشرية ينتشرون كالذباب في زوايا التكسب، يبحثون عن المنصة والفلاش والمنبر لكي ينفثوا كذبهم ونصبهم وبهتهم على الآخرين تسولاً وتربحاً وأستغلالاً واستحلاباً للمال من جيوب المضحوك عليهم، عزة النفس عندهم ماتت، والنخوة مالت وأنثنت، والمبادئ أندثرت، وجزئية البياض الضئيلة جداً التي كانت عندهم تحولت إلى رماد كبير، المرتزقة غدوا جماعات منظمة تمارس الهياط والسخف والدجل والبهتان بشكل فج وعميق، وينشطون في مناسبات معينة، وعند قضايا الناس الملحة، وحاجاتهم المريرة، وبازارات الدم، يطوفون البلاد، ويسترفدون العباد، ويتطفلون عليهم بثقل عال، يتلاعبون بالمشاعر والإنسانية والقيم، ويلبسون العباءات المختلفة في آن واحد، عباءة الدين، وعباءة المصلح الاجتماعي، وعباءة الزاهد العابد، وعباءة الراوي، وعباءة المحدث، وعباءة الفاهم، وعباءة الحكيم، وعباءة المنشد، وعباءة القصيد، هم المشاعل، والمنارات، والكواكب، والركائز، والأعمدة، والعمالقة، والعظماء، ومفترق الطرق، ومصابيح الهدى، يحسبون أنفسهم كذلك!، لا يزرعون الخير والسلام بين الناس، بيزرعون الشر والخراب، يوقظون الفتن النائمة، يسرجون لها القناديل، ويؤطرون للعنصرية والفوقية والبغضاء والثأرات، وأحياء الدفين، فارغون لكنهم يجيدون الضجيج، تجار لغو لكن تجارتهم كاسدة، مثابرون لكنهم من غير سكون ولا هيبة ولا وقار، بناؤون لكن بنائهم لين رقيق وكسيح، مفلسون رسبوا في مدرسة الأخلاق والمبادئ والحياة القويمة، مهندسون لكنهم أخفقوا في الهندسة الصحيحة والسليمة، أغبياء مشاريعهم كلام في كلام في كلام، وحججهم صراخ وهذيان وعويل، القابهم ليست جميلة، وكناهم دميمة، وأميتهم عالية، فلا هم أدباء ولا علماء ولا مثقفين ولا خطباء، يعيشون بلا هدف، ويمضون بلا تخطيط، وليس عندهم همة ولا فضيلة، هم مثل حنظلة عقيمة الثمر، مشؤومة الطلع، مرة الطعم، لا منظر بهيجاً، ولا ثمر نضيجاً، وليسوا راشدين بدرجة كافية، كالذباب يبحث عن الجروح، لا هم نخلاً باسقاً، ولا روضاً أخضر، ولا قمراً مضيئاً، مثل طبل يملأ الفضاء وهو أجوف، إن على هؤلاء المرتزقة أن يصلحوا أنفسهم، وينظّفوا دواخلهم، ويعيدوا أطروحاتهم البائسة، وأفكارهم السقيمة، وتطلعاتهم المادية، يرقوا بأنفسهم، ويبتعدوا عن توافه الأمور، ومصطلحات البهت، والأقنعة المزيفة، والازدواجية المفرطة، والتناقضات الحادة، والعيش بوجوه متعددة، وليعلموا بأن الله يعلم سرهم وعلانيتهم، وسوف يحاسبهم حساباً أليماً قاسياً عسيراً، وبناء على ذلك عليهم أن يكونوا كالنحل مشغول برحيق الأزهار يحوله عسلاً لكي يكون شفاء للناس، وليس كالبعوض يبحث عن الدماء لكي يمتصها، أو مثل ضفادع المستنقعات تجيد النق وتزعج الناس بأصواتها.