إن المسافة بين الزمان والزمان فاصلة رتيبة، لا تكترث بعمق المتن، ولا تعبأ بجدية الحاشية المنهمكة في تفصيل ما يلزم حتى لا يُفسر بما لا يلزم، بل تنهمر على النص الزمني في هيئة مطر فقد قوامه المُثير، وأصبح يهطل ببلادة دون أن يعنيه الارتواء!
أفكر جدياً في التخلص من عقدة الفاصلة، تلك التي أكتبها وأستكتبها وأكتب عنها جدلاً، غير أنني في نهاية المطاف أكتشف أنها تغلغلت لأعماقي واستولت على عقلي الباطن الذي يوحي إليّ بالكتابة، فصرت أكتبها دون إدراك، فحتى حين أردت الكتابة عن مهازلها، لم يخلو النص من رتابة وجودها!
إنه إدراك غير حسي يشي بالمشاعر المتولدة في أعماقي، عن الروابط بين النص وعلامات الترقيم، تلك الروابط التي سارت مع النصوص جنباً إلى جنب في ثنائية مميزة تكتسح الشكل والانسكاب وتُعين على «استرداد الأنفاس» عندما يهبط التوتر الذي يجذبه «نص» مغناطيسي يلتصق بنا على «مكامن الإحساس» ولكن تلك الروابط سرعان ما تنافرت وتخاصمت، فصارت تأتي كأي إتيان عادي. حتى عندما يكون النص غير عادي، وربما كان القدر يتطلب أن لا تدوم تلك العلاقة بين النص وقائله، ولا بين الحرف والترقيم، وتنضح المفردات بغثاء خصامهم!
لكن الفواصل لم تكتفي بتلك الرتابة الروتينية التي اعتادت أن تأتي بها، بل صارت تسعى أن تأتي في غير محلها، فتجرب موقع الاستفهام والتعجب، وتأخذ عنوة مكان الفاصلة المنقوطة، وتسيطر بجبروتها على علامات التنصيص، وليس هناك أنكأ ولا أسوأ من تنكيلها بتلك «الشرطة» التي تاهت بين لغات النصوص فلم يعرف أحد اتجاهها!
لقد صنعت الفواصل لنفسها عرشاً تخطت بها النصوص وواصلت حتى استطاعت أن تُفصِل الوقت وتقتطعه بعدة فواصل، ونحن من كنا نظن أن الوقت هو «القوة» الوحيدة التي يمكن لها أن تغافلنا وتقتطع أجزائنا ونحن غافلون، لكن الوقت قد سقط، وصار الزمان كله فاصلة، وبين الفاصلة والفاصلة فاصلة أخرى!
إنها مهزلة الفواصل!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @