جسّاس مُشعِل حرب البسوس قتل كليبا غدرا لانه لم يكن ندا له، وللإنصاف يظل هذا الجبان بجبنه وجزعه، صاحب فضل على التراث العربي، لأنه فجر الطاقات الابداعية عند الزير وصحبه وترك للعرب وثقافتهم ارثاً يحمد فى كثير من مشاهد تلك الحرب.
وبالمقياس الانساني المحض يظل جساسا صاحب طموح، الا ان سطوة الاخرين وتجليهم شجاعة واقداما جعلته يشعر بانه ياتي بعدهم فاختار لنفسه نوعا من الحضور ينسجم ويتواءم مع قدراته الجسمية والنفسية، فقتله كليبا غيلة كان اللقطة الاكثر اثارة فى مسلسل تلك الحرب الشنيعة، ولولا تلك القتلة الجبانة ما حضر جساس ولا حضرت ثقافة العربي القديمة لتصبح ارثا يحكى واشعارا تروى ومآثر تستدعيها المناسبات.
وفى البيئات الادارية يحضر جساس هذا العصر يمارس نمطا من السياسة يقوم على مبدأ انا وبعدي الطوفان، بمعنى ان -جساسا هذا- يتترس خلف مصالحه وبها يبدأ وإليها يكون إيابه ومنتهاه .
فى هذه الاجواء تتشكل شخصية جساس، تلك الشخصية التى لا تؤمن الا بذاتها ومصالحها واطماعها وشهواتها جساس لا يجرؤ على الكر فى مضامير الانجاز، لانه معطل اصلا بحكم قدراته الضعيفة وعزيمته الاضعف ،كل شواهد حضوره تصوره الاكثر جرأة على الفر والفرار مع اول سحابة غبار تلوح فى افقه البعيد، لكنه يجيد الطعن والقتل غيلة من الخلف كما يحكيه سجل بطولاته ويوثقه.
جساس عالمنا الاداري لا يعادي ولا يطاعن الا من وراء جدر يحتمي خلف رمز اداري يبعثه من جديد عند كل نكسة تعتريه لتخفيه حينا ثم ما يلبث وتحت تأثير ذلك الرمز أن يعود، ويعود والعود جساس وليس عليٌ احمد !
فى البيئات الادارية تشتعل حروب ضروس بين الرموز ،كل يريد الحفاظ على حماه من ان يدنس او يستباح ،هذه الحروب يشعلها الجبان جساس بعد ان يعس الواقع ويجسه ليعرف من اين يبدأ؟ وكيف يقدم ،وفي ناديه الليلي ومع رفاقه الجساسين يسرد تجاربه الحياتية، وكأنها افلام هوليودية فيضفي على مشاهدها كل عناصر التشويق والاثارة ،ويعيد تكرار مشاهدها لتكون مرجعا تجاربيا لاشباله الجدد الذين سيملؤون الدنيا فتنا وحروبا وعداوات، هذه الامسيات الليلية هي بمثابة تعليم مستمر يجدد فى الجساسيين الجدد خبراتهم ويطلعهم ويطعّمهم بكل جديد شيطاني يؤنسهم ويشد من عزائمهم لزرع الفتن واالشقاقات بين العاملين .
مخطئ من يظن ان السياسة مقصورة على السياسيين ومن يدور فى فلكهم ،فتعامل الناس مع بعضهم يحكمه انماط سياسية مختلفة تتشكل حسب المبدأ والحاجة المراد قضاءها ،والعمل الاداري تحكمه سياسات ناعمة ظاهرها ينطلق من الدستور الاداري المتمثل فى اللوائح والانظمة، ولكن الخروقات الادارية الممارسة تظل واقعا معاشا وملموسا ،تحكمها تكتلات المجموعات ومصالح افرادها، أسوأ شواهد هذه الخروقات هو ما يكون نتاج فتنة يشعلها جساس ويكتوي بنارها الكبار ويفنون اوقاتهم فى تتبع زلات بعضهم البعض والترصد للاخطاء وتضخيمها مغفلين الانتاجية والعمل لها، لتكون الهدف الذي يجب على الجميع الانضواء تحت رايتها مخلصين للغاية التى من اجلها وضعوا خدمة للمجتمع وافراده .
- علي المطوع