الثقافة - محمد هليل الرويلي:
أكد رئيس نادي القصيم الأدبي الثقافي أن دورتهم التي استمرت خمس سنوات تعد ثرية، وخصوصًا أن النادي مر بمرحلة تحوُّل مهمة، هي الانتقال من المقر القديم الذي كان عبارة عن فيلا سكنية إلى مبنى حديث يليق بالمثقفين والأدباء، ويستوعب كل أنماط العمل الثقافي. كما قام النادي بتنفيذ مجموعة من الملتقيات المهمة، والندوات ذات القيمة العالية، إضافة إلى طباعة ما يزيد على خمسين كتابًا في الأدب والنقد والترجمة، منها معجم شعراء القصيم الذي يعد أول معجم يرصد شعراء المنطقة، ويعرّف بهم. كانت دراسة الواقع الثقافي الذي عاشته منطقة القصيم في القرن الماضي، والحفر في هذا المنجز الثري والمتنوع، همهم الأول.. ونفذ السويلم بصحبة مجلسه ملتقيَيْن، أثارا حراكًا لافتًا، وأنشأ جائزتَيْن مهمتَيْن، إحداهما جائزة امرئ القيس للإبداع الشعري، التي مولها الأستاذ أحمد باديب، والأخرى جائزة التميز النسائي التي تقام كل عام بتمويل من بنك الرياض. وكان هدفهم الرئيس يتمثل في أن توقد لدى مواطني هذه المنطقة حرارة الانتماء للأرض، وجذوة العشق للفكر؛ فيكون التوهج والإبداع المتجدد.
** أدبنا المسجون!
انتقد رئيس نادي القصيم الأدبي الثقافي الناقد الدكتور حمد بن عبدالعزيز السويلم عدم وجود اتحاد للكتاب والأدباء السعوديين؛ الأمر الذي أدى بأدبنا ليكون مسجونًا في إطار المحلية باستثناء حالات نادرة؛ ما صنع فجوة بين الأدباء، عامة أدباء العرب والأدباء السعوديين. وقد وجدنا نحن في الأندية الأدبية فرصة لخلق نوع من التواصل مع الأدباء العرب، خاصة أن الأمين العام لاتحاد الأدباء العرب الشاعر حبيب الصايغ أثنى على نظام الأندية الأدبية في المملكة، وأنها بما تعتمده من نظام الانتخاب تمثل صيغة مناسبة للانضمام إلى الاتحاد.
* هند المطيري وقفت في وجه التقاليد والأعراف التي تسلب المرأة كرامتها
وأكد السويلم أن الأمر الذي يشغله في الوقت الراهن، ويشتغل عليه بوصفه أحد أهم الكتاب في المجال النقدي السعودي هو «نص المرأة»؛ بوصف المرأة حقلاً ثريًّا في إبداعها الخاص، وكما تتجلى في إبداع الرجل، المرأة هي الأم والأخت والزوجة المعشوقة، المرأة هي الخصب والحياة، هي العالم الرائع الذي نحاول إرضاءه كي نظفر بالسعادة.
لقد أنجزت بحثًا ألقيته في مؤتمر الأدباء السعوديين عن الشاعرة هند المطيري التي وقفت في وجه التقاليد والأعراف التي تسلب المرأة كرامتها وحقها.
وأضاف بأن الأمر الآخر الذي اهتم به الآن هو: الاهتمام بالبعد الإنساني في الأدب. التجربة الأدبية تتشكل من قيمة جمالية وبعد إنساني، وقد بالغ النقاد النصيون في تفكيك البنية اللغوية، حتى تحولت اللغة إلى لعبة استفرغت جهد النقاد، وأغفلوا الجانب الإنساني. وأعمل الآن مع طلابي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه على بلورة اتجاه نقدي، يهتم بهذين الجانبين. ولا غرابة أن تكون القصيم موقد الفكر والرأي الحر برجالاتها.. وعلى لسان رئيس النادي يطابق ذلك الوصف قوله: «مما يحمد لمجلس إدارة نادي القصيم الأدبي سيادة روح التفاهم والتكامل بين الأعضاء؛ فهم يعملون بروح الفريق الواحد. ولا شك أن هناك اختلافات في وجهات النظر، لكنها اختلافات تكامل، وليست اختلافات تنافر وتضاد. والعمل الثقافي يتسم باختلاف وجهات النظر، وهذا الاختلاف يثري المؤسسة الثقافية؛ فهو ظاهرة إيجابية. ومن وراء المجلس هناك جمعية عمومية متآلفة ومساندة للمجلس. ونجد أحيانًا من أعضاء الجمعية من هم أكثر حماسًا من بعض أعضاء المجلس؛ فعضو الجمعية العمومية الدكتور عبد الله البريدي - على سبيل المثال - لا يترك مناسبة إلا ويشير فيها إلى ظروف النادي ووضعه المالي، ويدعو إلى دعمه».
* مجتمعنا العربي ورث التقاليد التي تقيد حرية المرأة
وحول وجود القليل من النساء الشاعرات في مساحة الشعر العربي عمومًا، والشعر في السعودية على وجه الخصوص، قال السويلم: إنه على مر تاريخ الشعر العربي في عصوره المتعددة كان تمثيل المرأة في الإبداع محدودًا، وقد ظهر شواعر قديرات، أثرين الشعر العربي. وما زال التمثيل محدودًا، لكننا نرى الكثير من المبدعات على مستوى الوطن العربي، يكتبن روائع الشعر وفي كل أغراضه. ومن الصدف أن رائدة التجديد في الشعر الحديث شاعرة، وهي نازك الملائكة، وهناك شواعر في العراق ومصر والمغرب العربي والشام، وفي السعودية توجد شاعرات أثبتن مكانتهن في عالم الإبداع، وهناك شاعرات متمكنات، لكنهن آثرن التخفي من خلال البوح المحدود في إطار الأسرة، ويرفضن إذاعة شعرهن؛ ربما لأن مجتمعنا العربي ورث تلك التقاليد التي تقيد حرية المرأة في مجالات كثيرة، ومنها الشعر، وربما لأن المجتمع العربي الذي يهيمن عليه الجنس الذكوري لا يعطي الفرصة للمرأة في الإبداع.
* الأدباء المتضخمون..
وتطرق السويلم في نظرته للأدب السعودي بحكم معاشرته للأدباء، ووجوده على هرم مؤسسة ثقافية بمنطقة القصيم، لتضخيم الذات الذي ساهم تطور الإعلام والصحافة في تذكيته، إضافة لما توارثه الأدباء من شعور من أسلافهم شعراء العصر العباسي، وقال: الطبيعة الشخصية والنفسية للأديب العربي عمومًا يغلب عليها الإحساس بتضخم الذات، وهذا شعور ورثه الأدباء من أسلافهم شعراء العصر العباسي؛ إذ يشيع هذا الشعور عند الغالبية منهم؛ لذلك نجد الشعراء في هذا العصر ما إن يكتب الواحد منهم بضع قصائد حتى يعد نفسه أحد شعراء المعلقات.
وحينما تطور الإعلام والصحافة على وجه الخصوص عزز الذاتية لدى الأدباء، بل ظهرت مثلبة أخرى، هي نزعة الترصد؛ فالشاعر يريد من المؤسسة أن تفتح منبرها له، وأن تطبع نتاجه حتى ولو كان متواضعًا، وإذا أصرت المؤسسة على مبدئها أصبحت هدفًا لسهامه في نقدها، ومحاربة مشاريعها الثقافية.
وهناك كتّاب نكنّ لهم ولإبداعهم التقدير، لكننا نأخذ عليهم سعيهم لرسم صورة ذهنية سلبية عن الأندية الأدبية.. فأحد الروائيين المعروفين يقف على صورة لطيور الحمام، قد عششت على مكتبة عتيقة، فينشرها في حسابه في التويتر، ويعلق عليها بعبارة «إحدى مكتبات الأندية الأدبية»!
* الحداثة خلابة وغير عادية
وأشاد السويلم بزمن الحداثة بعد موجات من التحولات التي طالت الأدب السعودي؛ إذ أنتج الحداثيون كل ما هو خلاب وغير اعتيادي، على حد وصف السويلم الذي تابع يقول: يبدو لي أن زمن الحداثة الذي مر عليه الآن ما يزيد على ربع قرن هو الزمن الذي بلغ فيه الأدب قمة العطاء، وهو الذي شهد التغيير الحقيقي والاختلاف والخلاف. وقد أنتج الحداثيون كل ما هو خلاب وغير اعتيادي، وبرزت أسماء كبيرة في مجال الإبداع وفي مجال النقد، ولا يزال لها الأثر الكبير والحضور الفاعل في الحراك الأدبي والثقافي. وقد أفرزت هذه المرحلة أصواتًا شعرية مبدعة، أرست قواعد وأسس القصيدة الحديثة وشكلها وتركيبها اللغوي والمعجمي الجديد الذي يستمد ديمومته من انصهار لغة الشعر القديم مع التحول الجديد في اللغة الشعرية.
كما أشاد السويلم بتجربة عدد من الشعراء الحداثيين اللامعين كالثبيتي والصيخان والعلي والصالح والزيد والحربي، مؤكدًا أنه برز في زمن الحداثة شعراء لامعون، أخذوا بتلابيب القصيدة إلى واحات لم تكن مأهولة من قبل؛ فسطروا أروع ما يكون البيان لفظًا وصورًا مبتعدين عن الابتسار والسرد النثري الذي طغى في الآونة الأخيرة على معظم المجاميع الشعرية الصادرة حديثًا. وأذكر على سبيل المثال المبدعين: محمد الثبيتي وعبد الله الصيخان ومحمد العلي وأحمد الصالح وعبد الله الزيد ومحمد جبر الحربي..
* دعاة الأدب الإسلامي
لم يكن لهم تأثير!
ولفت السويلم النظر إلى أنه لولا ظهور الحداثة لم يظهر دعاة الأدب الإسلامي، مشددًا على أن هذا الظهور إنما جاء كردة فعل على بزوغ شمس حركة الحداثة، وتابع: ظهر دعاة الأدب الإسلامي كردة فعل لحركة الحداثة. لكن دعاة الأدب الإسلامي لم يكن لهم التأثير الكبير في مسيرة الأدب والنقد؛ وذلك يعود - في رأيي - لسببين، أحدهما: ضعف الإمكانات النقدية والإبداعية لهؤلاء، ومعظمهم مدفوع بالحماس والعاطفة أكثر من تحصيلهم للأدوات الإبداعية والعلمية. والسبب الثاني أنهم حصروا الأدب في وظيفة محددة، وهي الوظيفة الأخلاقية والدعوية.
وطبيعة الأدب عمومًا والشعر على وجه الخصوص أنه لا يرتبط بهدف معين، وهذا أهم ما يتميز به الأدب، ولو ارتبط بأي هدف معين لفقد إمكانية تحققه بوصفه فنًّا أدبيًّا. إن الأدب ينطوي على حقيقة جمالية، ويضمر محمولاً عاطفيًّا وفكريًّا وإنسانيًّا. وهذه أشياء يكتشفها القارئ أثناء القراءة دون أن يفترضها افتراضًا مسبقًا.
* الجيل الجديد من النقاد حوَّلوا الخطاب النقدي من الانطباعية إلى العقل النقدي
وعن قراءته لواقع النقد الأدبي الراهن، والرهانات التي يمكن أن يحققها النقد في المستقبل، أوضح السويلم: حقق النقد الأدبي في السعودية إنجازات جيدة، وتبوأ مكانة متقدمة في جملة المنجز العربي. وهناك اعتقاد بأن الحركة الأدبية والنقدية العربية منحصرة في مصر، لكن الحقيقة أن هناك مراكز ثقافية مهمة أسهمت في إنتاج الخطاب الأدبي والنقدي، كالشام والعراق. صحيح أن مصر لها فضل الريادة، لكن كثيرًا من البلدان العربية كانت غنية بالأدباء والكتّاب أيضًا، ومن ذلك هذا الوطن الذي نبت فيه الإبداع العربي؛ فقد كانت هناك جهود لرواد الأدب، كالشيخ حمد الجاسر والشيخ عبد الله بن خميس والأستاذ عبد الله بن إدريس والأستاذ عبد الله عبد الجبار، وغيرهم. وإذا كان النقد عند هؤلاء يغلب عليه صفة النقد الانطباعي فإن الجيل الذي جاء بعدهم حولوا الخطاب النقدي من الانطباعية إلى العقل النقدي؛ إذ ساد الوعي بالنظرية الأدبية، واتضح الفهم لكثير من المناهج النقدية المعاصرة كالبنيوية والأسلوبية والتأويلية، وغيرها.
* قراءة التراث واستحضار القيم الحية والانفتاح على الآخر
أما الرهانات التي يمكن أن تدفع النقد الأدبي إلى آفاق مستقبلية فأرى أنها تتمثل في أمرين، الأمر الأول: قراءة التراث قراءة جديدة، واستحضار القيم الحية والعناصر الخالدة، وتغذية النقد الحاضر بها. والأمر الثاني: الانفتاح على الآخر؛ فالنقد الغربي حقق في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية هذا القرن معطيات ثرية على صعيد النظرية، وعلى صعيد المنهج، وهذا المنجز حري بأن ننفتح عليه، وننهل منه. والنقد الأكاديمي مؤهل لدفع النقد نحو التطور إذا ما تخلص من القراءة التكرارية للتراث، واتجه لقراءة جديدة تستعين بأدوات حديثة.
* لا شيء أخطر على الشعر من الشعر ذاته!
وعن قصيدة النثر واكتساب مشروعية وجودها أوضح السويلم أن الأديب القدير هو ذلك المبدع الذي يسخر إمكاناته وأدواته الإبداعية لأجل انفجار تجاربه ورغباته وأفكاره وأحلامه السجينة والمختفية داخل أغواره. فهدف الأديب الحقيقي هو إطلاق سراح أفكاره الخصبة من الفضاء الداخلي إلى الفضاء الخارجي كيفما كان الأسلوب المستخدم في التعبير وفي الطرح. والشعر يتميز بأنه ذو طابع متغير، حتى قال أحد النقاد «لا شيء أخطر على الشعر من الشعر ذاته»؛ فالشعر لديه الجرأة في انتهاك قوانينه ومبادئه. وفي رأيي، إن الأديب إذا نجح في تحقيق شعرية النص فلا مشاحة عليه في اختيار قصيدة النثر، وسوف يجد نصه القبول؛ لأن العمل الجاد يفرض حضوره، ويمضي بجماله إلى عوالم الخلود.
* الإقبال على الرواية مرهون بزمن محدد وسيعود للشعر السيادة
ويشير السويلم بلغة الإحصاءات والمبيعات لنوعية الكتب والمشتريات بمعارض الكتاب إلى صراع الأجناس الأدبية، مؤكدًا في الوقت نفسه أن زمن الشعر سيعود مهما كان اقتناء الروايات لافتًا. وزاد: أثبتت الإحصاءات التي ترصد استقبال المجتمع لنوعية الكتب ومشتريات رواد معرض الكتاب الأخير أن فن الرواية هو الأكثر مبيعًا، وأن الإقبال على اقتناء الرواية لافت للنظر.. بيد أنني أرى أن هذا الإقبال على الرواية مرهون بزمن محدد؛ فالشعر يظل صاحب السيادة والمكانة المتأصلة في وجدان الإنسان العربي؛ فالرواية تُقرأ في الغالب مرة ثم تركن، أما الشعر فهو يحتل مكانة في الذاكرة؛ لأنه يمثل التحقق الأعلى للوجود الإنساني. لم يكن الشعر قيمة ثقافية تزين الحضارة العربية، وتمنحها مكانة بين الشعوب، بل هو الوسيط المحدد لكلية الكينونة العربية؛ الأمر الذي جعل العلماء العرب منذ أن بدأ التدوين يحتفون بالشعر، ويعملون على توثيقه. وإذا تأملنا شواهد اللغة العربية في كتب النحاة واللغويين نجد أن الشاهد الشعري يتفوق على كل مصادر الاستشهاد.
وفي الختام كشف السويلم لـ»الثقافية» أن رأيه مع التعيين وليس الانتخابات، وعن عدم نيته للترشح رئيسًا للنادي بمنطقة القصيم، وعن خيبة أمله بعد تراكم ديون مليونية على مجلسه من جراء المبنى المنجز، التي ساهم في تراكمها سلبية الوزارة ورجال الأعمال في المنطقة، مكتفيًا بالبقاء عضوًا في مجلس الإدارة إذا رغب أعضاء الجمعية العمومية في ذلك على حد قوله، وقال: لقد أُعلن مؤخرًا نظام هيئة الثقافة، وسوف يسمى رئيسها، ويُشكَّل مجلسها قريبًا. ولا شك أن وجودها سوف يحدث تغييرات كبيرة في صيغة المؤسسات الثقافية. ولكن مع ذلك نجد وزارة الثقافة مصرّة على الانتخابات. وفي هذا الشهر ستبدأ انتخابات الأندية. وبالنسبة لنادي القصيم ستكون انتخاباته في أواخر الشهر القادم, أما بالنسبة للترشح لدورة قادمة فأنا أفكر بشكل جدي في الاكتفاء بالدورة الحالية، وذلك لأسباب عدة، أهمها الالتزامات المالية التي تراكمت على النادي؛ فالمقاول يطالب النادي بخمسة عشر مليون ريال، وقد وضعتني هذه المطالبات وزملائي أعضاء مجلس الإدارة في حرج. لقد تكرم خادم الحرمين الشريفين بمنح كل نادٍ أدبي عشرة ملايين، لكن هذه العشرة تحولت بسبب سلبية الوزارة إلى مليونين ونصف المليون. وحتى رجال الأعمال لم نجد منهم تجاوبًا وتعاونًا رغم المكاتبات والإلحاح. والسبب الثاني أن لدي مشاريع علمية، أنوي التفرغ لها. وقد طلبت التفرغ العلمي من جامعتي، وآمل بالتخفف من عمل النادي. وقد أبقى عضوًا في مجلس الإدارة إذا رغبت الجمعية العمومية في ذلك، لكن رئاسة المجلس تستهلك الوقت والجهد.