تقديم المترجم: هنا دراسة مشتركة للبروفيسور يورام ميتال والباحث موشيه ألبو نشرت عام 2014، قسم دراسات الشرق الأوسط، جامعة بن غوريون في النقب. وستشكل هذه الدراسة أحد فصول كتاب مترجم بعنوان «الأزهر والسياسة» (تحت الإعداد) أخطط لصدوره في عام 2018 بحول الله:
وباختصار، فقد قدّم محمود قائمة بالمبادئ والخطوات الضرورية لتحويل شعار الرئيس المجرد (دولة العلم والإيمان) إلى واقع حي:
* تطبيق الشريعة الإسلامية؛ و
* اجتثاث جميع التشريعات والتأثيرات الغربية من القوانين والأنظمة ومناهج كليات الحقوق؛ و
* تنفيذ قانون العقوبات الإسلامي بالكامل.
كما اقترح محمود تهذيب أعراف المجتمع، من خلال سن قوانين صارمة ضد السلوكيات غير الأخلاقية؛ كالدعارة والقمار والخمور وفرض رقابة على المسارح ودور السينما، وتعزيز منزلة الإسلام عبر وسائل الإعلام. (38)
مواقف الشيخ عبد الحليم محمود
تمهد بعد وفاته لتعديل مذهل للمادة الثانية من الدستور
لتصبح مبادئ الشريعة هي «المصدر الرئيسي للتشريع»!!
وبعد عام ونصف العام من وفاة محمود، جرى تعديل المادة الثانية من الدستور المصري (22 مايو 1980) ليصبح «الإسلام دين الدولة»، ومبادئ الشريعة هي «المصدر الرئيسي للتشريع» بدلا من «مصدر رئيسي للتشريع». وجرى تمرير التنقيح نتيجة لضغوط هائلة مورست على المؤسسة السياسية من قبل مجموعة متنوعة من الإسلامويين من داخل تلك المؤسسة وخارجها. وكان أقوى عضو في هذا التحالف هو الشيخ محمود، الذي مهد له بفتاواه ومواقفه العلنية الجريئة قبيل وفاته (39)؛ ولكن لم تنتج عن التعديل تغييرات جذرية في وضع التشريع الإسلامي في العملية التشريعية، ولم تتحول مصر إلى دولة إسلامية من حيث الحكم بالشريعة الإسلامية. وبناء على هذه الخلفية، فإن الزعم السائد بأن هذا التعديل الدستوري المذهل قد جرى نتيجة لضغوط من قبل جماعة الإخوان المسلمين أو لرغبة السادات في استرضاء الحركة الإسلاموية الشعبية غير دقيق. وفي حين أن الإخوان طالبوا حقاً بإصلاح كهذا وكان لدى الرئيس السادات مصلحة سياسية لتلبية مطلبهم، إلا أن الباحثين فشلوا في ملاحظة التأثير الحاسم للشيخ محمود في التمهيد لهذا التعديل.
الصراع على قانون الأحوال الشخصية
يرتكز قانون الأحوال الشخصية المصري على الشريعة، وجرى وضعه عندما كانت مصر ولاية عثمانية. وفي حين أن القانون المدني المصري الذي وضع في عام 1875 استند على القانوني الفرنسي، إلا أن قانون الأحوال الشخصية بقي كما هو. والاستثناء الوحيد كان تعديلا إصلاحي جرى في عام 1929 لمنح النساء حق طلب الطلاق عند توفر الشروط أحد التالية:
(أ) إذا كان الزوج غير قادر على تلبية احتياجات الزوجة؛ أو
(ب) إذا أصيب الزوج بمرض خطير أو معد؛ أو
(ج) إذا تعرّضت الزوجة للهجر من زوجها؛ أو
(د) إذا اعتدى الزوج بدنياً على زوجته.
ثم عَرَّفَ القانون الأسرة كمؤسسة بطركية (أبوية) يتمتع فيها الرجل بامتيازات شخصية واقتصادية. ومن ثمَّ، استمر السماح بتعدد الزوجات، وحافظ الرجل المُطَلِّقُ على حيازة الممتلكات، كما حافظ على حق تطليق الزوجة بشكل تعسفي، وأصبحت المسؤولية عن نجاح أو فشل الزواج تعتمد على أخلاق الزوجة وقيمها فقط. وفيما يتعلق بتعدد الزوجات، كان من حق الزوج أن يتزوج أربع زوجات، وكان غير ملزم بإبلاغ زوجته عن نيته الزواج من امرأة أخرى. (40) كما كانت الشرطة ملزمة بإرجاع الزوجة الهاربة إلى زوجها، ومن ثم تقوم المحكمة بمحاسبتها على الهرب عند النظر في قضية الطلاق، حتى في حالة كون الزوج يعتدي عليها بالضرب. وإذا مُنح الطلاق، تفقد المرأة حتما حضانة أولادها ولا تحصل إلا على حصة ضئيلة من الممتلكات أو الميراث. وبعبارة أخرى، بالرغم من إصلاح عام 1929، استمرت الشريعة كمصدر أساس للحكم في مسائل الأحوال الشخصية. (41)
واقترحت عائشة راتب، وزيرة الشؤون الاجتماعية، في 26 مارس 1974، مشروع قانون للأحوال الشخصية لكي يغّير الوضع الراهن تغييرا هائلا لينصف المرأة. وسعت جيهان السادات، زوجة الرئيس، بدأب إلى تمرير مشروع القانون المقترح عبر البرلمان. وكانت البنود الرئيسة في القانون كالتالي:
(أ) لا يمكن للزوج تطليق زوجته إلا أمام قاضٍ يحاول الإصلاح بين الطرفين. وبالرغم من أن الطلاق غير المعتمد من قبل قاض يعتبر صحيحاً، فإن الزوج سيواجه إما السجن أو الغرامة.
(ب) تعدد الزوجات يتطلب موافقة القاضي. وقبل الوصول إلى حكم، يجب على المحكمة التحقيق في وجود تبرير مقنع، ومدى قدرة الرجل على تحقيق متطلبات تعدد الزوجات.
(ج) لا يجوز منح حضانة الأطفال تلقائيا إلى الأب، بل يجب على المحكمة أن تأخذ بعين الاعتبار مدى لياقة كل من الوالدين. ويحق للزوجة المطلقة الحصول على تعويض على أن يحدد القاضي قيمته. (42)
وترأس الشيخ محمود ائتلافاً من كبار الشخصيات الدينية لهزيمة هذه المبادرة، بالرغم من كون زوجة الرئيس ترعاها. واستخدم الشيخ القوة الجبارة لمكتب شيخ الأزهر، حيث أصدر 68 فتوى شرعية عن قانون الأحوال الشخصية و29 فتوى عن الواجبات الشرعية للزوجة المسلمة تجاه عائلتها ومجتمعها. (43) وكان جوهر حجة الإمام الأكبر هو أن مصادر القانون الحالي محسومة وغير قابلة للجدل. ونظراً لأن الشريعة تستند على القرآن الكريم والسنة النبوية وتفسيرات المذاهب الكلاسيكية الأربعة، فإن النظام القانوني الحديث وكذلك ضمير الفرد لا يحتاج إلى مراجع أو بوصلات أخلاقية؛ بل ينبغي حفظ هذه الأمور لصياغة مشروع قانون آخر تناسبه. لقد تبنى محمود رأياً بطركياً (أبوياً) يقوم على نظرة دينية-قضائية تقليدية متزمتة حول تحرير حقوق المرأة في المجتمع الحديث، ورفض فوراً وبسرعة فكرة المساواة السياسية والاجتماعية-الاقتصادية بين الجنسين. ومن حيث المبدأ، رأى الإمام الأكبر أن البرلمان يفتقر إلى المعرفة اللازمة في الشريعة الإسلامية لكي يسن قانوناً في هذا الشأن. أكثر من ذلك، اعتبر الإمام الأكبر مجالات الأحوال الشخصية وقيم الأسرة من بين آخر المعاقل القانونية التي كانت تحت اختصاص الأزهر الحصري. وفاقم رفضه الشديد لأي تدخل سياسي في هذا الشأن الصراع الساخن مع الأطراف السياسية التي تسعى إلى إصلاح قانون الأحوال الشخصية.
يتبع
حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com