تحليل - محمد خالد الخنيفر:
هناك عدة أمور مثيرة للاهتمام لفتت نظري بنشرة إصدار أول صكوك دولارية للمملكة. وفي هذه المناسبة نثني على وزارة المالية ولاسيما في مستوى الشفافية العالية التي انعكست على محتوى نشرة الإصدار. لعلي ألخص لكم أدناه أهم ما ورد في الـ244 صفحة قبل أن ندخل في تفاصيل الهيكلة الهجينة:
* لفت نظري أن المملكة ستستخدم أموال المستثمرين (القادمة من المضاربة) من أجل توظيفها في مشاريع البنية التحتية ببلادنا وسوف يتم ذلك عبر محفظة المضاربة (أو المحفظة التي تحتوي على عدد من مشاريع البنية التحتية) التي ستؤول اليها 51% من متحصلات الإصدار.
* ذلك الرقم بالتحديد (51%) سيسمح شرعاً بتداول تلك الأوراق المالية في البورصة. فلو كانت نسبة المرابحة (التي تعتبر ديناً) أعلى من 49% فلن يسمح شرعاً بإدراج هذه الصكوك. كاجتهاد شخصي، لا تستغربوا لو ذهبت متحصلات الإصدار (الخاصة بهيكل المضاربة) لبعض المشاريع الجوهرية والتي تندرج ضمن رؤية المملكة 2030.
* كشفت المملكة أنها ستستخدم متحصلات الإصدار الناجم من حصيلة مرابحات السلع من أجل الأغراض المتعلقة بالموازنة العامة.
* بخلاف الغموض الذي دار حول السلع التي تنوي أرامكو استخدامها مع المرابحات، المفاجأة لدي كانت الكشف عن نوعية السلع التي ستستخدمها المملكة مع المرابحات وهي قد تشمل ( النحاس أو البلاتين أو البلاديوم أو الزنك أو الألومنيوم أو الإريريديوم أو الروديوم). وكاجتهاد شخصي أعتقد أننا ذاهبون لسوق لندن للمعادن، نظراً لضخامة المبلغ.
* تم وضع بند يُقيد حركة المستثمرين نحو الأصول السيادية (التي لدى شركة الغرض الخاص أو شركة الصكوك الاستثمارية السعودية). تقول النشرة:» فور الاكتتاب، يُقر حملة الصكوك أن ليس لهم نفاذ نحو أصول الأمين والشركة الإستثمارية المحلية أو المملكة العربية السعودية، وذلك في حالة انخفاض المبالغ المتوقعة القادمة من أصول الإصدار (الصكوك)». وحده الأمين (أي شركة الغرض الخاص التي تملكها وزارة المالية) سيكون له نفاذ مباشر ضد المملكة من أجل استعادة أي أموال (ناقصة لا قدر الله). وهنا نشيد بمكتب الدين والمستشار القانوني الذين أتقنوا عملهم في حماية أصول المملكة السيادية مع هذا الإصدار.
* استبقت المملكة الضربة الإمريكية للنظام السوري عبر الإشارة في نشرة الإصدار الى المخاطر الجيوسياسية في المنطقة سواء تلك التي تجري باليمن وسوريا وغيرها من البلدان. وفي رأي الشخصي، ففي حالة استمرت الضربة الأمريكية ولم تتوقف فإن هناك احتمالية كبيرة أن تؤدي المخاطر الجيوسياسية في ارتفاع هوامش الائتمان للمملكة (بعد انخفاضها)، وقد يتأثر مؤشر القياس (عوائد سندات الخزانة الأمريكية) الذي ستستعين به المملكة في تسعيرها (مع العلم أن هذا المؤشر وصل لأدنى مستوياته هذه السنة) إلا في حالة قرر مكتب الدين الاستعانة بمؤشر قياس آخر (أقل تذبذبا) مثل متوسط سعر المبادلة (Mid-Swap). على الجانب الآخر، انعكست الأحداث الجيوسياسية الأخيرة عبر ارتفاع أسعار النفط. لا ننسى أن السبب الرئيسي في انخفاض هوامش الائتمان للمملكة خلال الفترة الماضية يرجع لإرتفاع أسعار النفط.
* بخصوص ربط الريال بالدولار، تطرقت النشرة لمخاطر إعادة النظر بسياسة الصرف في حالة انخفاض احتياطات المملكة. وأشارت النشرة بأن أي تغيير بسياسة الصرف (أفهم من ذلك بحسب السياق انخفاض قيمة الريال) قد تؤدي لزيادة تكاليف خدمة الدين الخارجي للمملكة. وللمعلومية هذا البند هو قانوني بحت ويجب كتابته لإخلاء المسؤولية وليس بالضرورة أن يعبر عن الموقف الحالي للمملكة التي أكدت مرارا وتكرارا على استمرارية الربط.
* يحسب لقيادات مكتب الدين العام أنهم وضعوا بند يفيد بإمكانية قيام المملكة بشراء الصكوك بعد إغلاقها، وذلك في حالة ارتفاع مستوى التصنيف الائتماني للمملكة، الأمر الذي يعني قدرة السعودية بالاقتراض خارجيا بكلفة أقل مقارنة مع اصدار الصكوك هذا .
شرح الهيكلة الهجينة
سُميت الصكوك «الهجينة» بذلك لأنها تحتوي على مزيج من الدين (ونقصد بذلك هيكل المرابحة) والملكية ( equity) ونقصد بذلك هيكل المضاربة.
تعمدت في الشرح التالي للهيكلة أن أتجنب ذكر المصطلحات القانونية لهذه الهيكلة المعقدة وحاولت أن أبسط استيعا بها قدر المستطاع. في البداية علينا أن نُعرف الجهات التالية التي تلعب دور محوريا،ً كما تشاهدون، في الرسم البياني الخاص بالهيكلة الهجينة:
* شركة الغرض الخاص (شركة صكوك المملكة العربية السعودية المحدودة) كمُصدر وأمين إصدار ورب المال
* المملكة كمضارب بمشاريع البنية التحتية (ومشتري بالمرابحات) ويتولى هذا الدور وزارة المالية
* شركة الصكوك الاستثمارية السعودية (المسجلة محلياً) كمضارب ورب المال المتخصص بمشاريع البنية التحتية (وهي مملوكة بالكامل من قبل السعودية).
تقسيم متحصلات الإصدار إلى قسمين:
* الأول مبلغ يعادل 49% من متحصلات الإصدار لكل شريحة (نقصد شريحتي الخمسة والعشرة سنوات). بحيث يقوم الأمين (الذي يلعب في نفس الوقت دور شركة الغرض الخاص) بشراء سلع متطابقة مع الشريعة من قبل أحد وسطاء السلع، وبعد ذلك يقوم الأمين ببيع تلك السلع للمملكة (وذلك بهامش ربح واضح وبين) بحيث تدفع السعودية ثمن ما اشترته مع الهامش في وقت لاحق. وقد يساعد هذا على تمويل المدفوعات الخاصة بالصكوك..
* المكون الثاني من متحصلات الإصدار ( 51%) والقادم للأمين (الذي يلعب دور رب المال لصالح المستثمرون) يذهب لشركة الصكوك الاستثمارية السعودية (المسجلة محلياً) والتي تعد المضارب. بشكل عام سيتم توقيع اتفاقيات ذات صلة بعقد المضاربة بين السعودية وحملة الصكوك (رب المال) بحيث يشتركون في حصة ملكية مشاعة في محفظة مشاريع البنية التحتية (المحفظة الاستثمارية) والتي تتولى المملكة اختيارها (أي مشاريع البنية التحتية) بحسب ما تراه مناسب.
وكل ذلك يتم على أساس تقاسم الأرباح وتحمل الخسارة بالتناسب مع حصة كل منهم. وتملك المملكة الحق في التنقل بالأموال الإستثمارية الخاصة بالمشاريع بين ما تراه مناسبا من مشاريع البنية التحتية (أي بعبارة أخرى يمكن للمملكة أن تستبدل أصول المحفظة بأصول أخرى).
ومن أجل حفظ حقوق المستثمرين سيتم تقييم مشاريع البنية التحتية التي سيتم استهدافها. وتملك المملكة الحق في شراء أي أصل من المحفظة الإستثمارية، ولو تم ذلك فسوف يتم إعادة استثمار الأموال والأرباح الناجمة من عملية البيع في أحد مشاريع البنية التحتية. مع العلم أن رب المال والمضارب سيتحملان المصاريف الناجمة من هذه الاستثمارات وذلك بحسب حصة كل واحد منهم.
* لفت نظري اشتراط المملكة اقتطاع 10% من دخل المضاربة القادم من استثماراتها، وذلك لكونها المضارب. في حين سيستلم رب المال ما يصل إلى90% من دخل المضاربة.
* وبشكل عام فإن مبلغ الربح الفائض (من المضاربة)، الذي سيظهر خلال مرحلة إطفاء الإصدار، سيذهب للمملكة. وذلك كحافز لها على إدارة محفظة الاستثمار بالبنية التحتية (بمعنى آخر أن حملة الصكوك سيتنازلون عن حقهم في تلك الأرباح (وهذا شرعا جائز)، هذه الخطوة بالتحديد قد لا يتقبلها المستثمرون الدوليون الذي لا يعرفون أي شيء عن المالية الإسلامية ويرون أن لهم حقا في هذه الأرباح الفائضة، حتى بعد استلامهم الأرباح المتفق عليها ).
لمحات سريعة من النشرة
* لن يتم اقتطاع ضرائب من الأرباح الدورية للصكوك وإذا بالفعل حصل اقتطاع، وفقاً لظروف خاصة، سيقوم الأمين (أي شركة الغرض الخاص التي تملكها الحكومة) بتعويض حملة الصكوك عن المبلغ المُقتطع.
* تم التطرق لمخاطر شح السيولة الخاصة بتداولات الصكوك في الأسواق الثانوية وهذا قد يؤثر على المستثمرين بشكل سلبي عندما يقررون بيعها (بعباره أخرى تلك المخاطر قد تنجم في حالة كان حجم الإصدار أقل من 5 مليار دولار).
* كما تم التوقع به في تحليلات سابقة، استعانة السعودية بالمجالس الشرعية لفقهاء الصيرفة الذي يعملون لصالح البنوك المرتبة للإصدار، وذلك في ظل عدم وجود هيئة شرعية مركزية متخصصة للمعاملات الإسلامية بالمملكة. طبعاً الفقيه المصرفي ذائع الصيت نظام يعقوبي أجاز الصكوك مرتين عبر الفتوى التي وقع عليها، نظرا لعضويته مع بنكين منظمين للإصدار.
* المملكة أعادت التأكيد أنه وخلال العشرين سنة الماضية قامت بسداد كافة ديونها ولم تدخل بأي إعادة هيكلة لديونها مع دائنين.
* برنامج الصكوك الذي تم إنشاؤه يسمح للسعودية باستخدام عملات متعددة في المستقبل
* الإدراج سيتم في البورصة الإيرلندية (لتحلق الصكوك بسندات السعودية التي تم ادراجها هناك).
... ... ...
- خبير بأسواق الدين الإسلامية ويعمل لصالح مؤسسة دولية متعددة الأطراف.
تويتر: @MKhnifer
mkhnifer1@gmail.com