د. محمد عبدالله العوين
ليست هي المرة الأولى التي يستخدم فيها بشار الأسد الغازات السامة ضد الشعب السوري؛ وبالأخص منه أولئك الذين يمثلون الأغلبية السنية في المدن والقرى المستهدفة بالإبادات الجماعية والتطهير الطائفي ؛ سواء بالبراميل أو بالغازات السامة ؛ فقبل الجريمة المروعة التي ارتكبها النظام في خان شيخون صبيحة الثلاثاء 7-7-1438هـ الموافق 4-4-2017م وراح ضحيتها أكثر من مائة شهيد وخمسمائة مصاب؛ اقترف النظام جرما أشد فظاعة ووحشية في الغوطتين الشرقية والغربية اللتين تقعان في محيط دمشق في أغسطس 2013م حيث استهدف المواطنين السوريين بغاز السارين وهم نيام - كما فعل في خان شيخون - فراح ضحية الهجوم بالكيماوي أكثر من 1466 شهيدا وأكثر من 3600 مصابا.
ويشير توقيت حدوث الهجوم بالغازات إما قبل الفجر أو قبل بزوغ النهار إلى رغبة النظام في إيقاع أكبر عدد من القتلى والمصابين، ويتأكد هذا الهدف الدنيء برمي البراميل المتفجرة بالشظايا على المناطق المدنية التي لا علاقة لها بالثائرين عليه، واستهداف طوابير المطاحن والمخابز والأسواق والمستشفيات وفرق الإنقاذ والدفاع المدني. يتضح هدف النظام مع حليفه الفارسي الإيراني بإحداث تغيير عميق في التركيبة السكانية قائم على بعد طائفي وعرقي ضيق باستهداف المدن والقرى التي يمثل السنة النسبة العظمى من سكانها مع وجود ديانات وطوائف أخرى فيها بطبيعة الحال؛ كالريف الدمشقي الواسع من مدن صغيرة وقرى متناثرة تحيط بدمشق، ومحافظات أخرى كـ: حماه، وحلب، وأدلب بما فيها جسر الشغور وخان شيخون وسراقب، ومحافظات حمص والرقة ودرعا و غيرها.
ويتحقق التغيير الطائفي باستهداف مدن السنة عن طريق إحداث أكبر عدد من القتلى، وتدمير أكبر عدد من المدن والقرى؛ لدفع من بقي حيا من سكان المدن السنية إما إلى النزوح إلى خارج سوريا كتركيا أو الأردن أو لبنان، أو طلب السماح له بالهجرة إلى أي بلد من بلدان العالم، وييسر النظام إجراءات الهجرة لهم بطريقة مكشوفة تنم عن الهدف من القتل وتدمير المدن، ولذلك يشجع الراغبين في النزوح إلى مناطق أخرى ويهيئ لهم وسائل المواصلات، ثم يعاود لاحقا استهدافها كما فعل من قبل لقتل أكبر عدد ممن تجمعوا من جديد في المدن التي كان يعتقد أنها آمنة.
والغاية البعيدة لعصابة طهران الصفوية جعل الأغلبية من سكان العراق وسوريا ولبنان من الطائفة الشيعية بالقتل الجماعي أو بالطرد والتهجير القسري أو بالاعتقال حتى الموت تحت التعذيب في السجون، وباستقدام شيعة غير عرب؛ كالإيرانيين والباكستانيين والأفغان وغيرهم وإسكانهم بالقوة مع الأسر العراقية أو في منازل عراقيين أو سوريين قتلوا أو هجروا، وقبل سنتين لوحظ أنه قدم من إيران بقصد زيارة «العتبات المقدسة» في كربلاء عشرات الآلاف ولم يعودوا، وتبين أن كثيرين منهم استوطنوا أو انضموا إلى القتال مع ما يسمى بـ«الحشد الشعبي» أو هم من المنتمين بالفعل إلى «الحرس الثوري» الإيراني، وقدموا إلى العراق وسوريا تحت غطاء «الزيارة المقدسة». إيران بقيادة العمائم المزورة باسم التشيع ساعية بإصرار إلى أهدافها البعيدة في استعادة الوهم الإمبراطوري القديم الذي أسقط بنيانه العرب تحت راية الإسلام، وهي اليوم بتواطؤ أو بمساعدة من دول كبرى تلهث وراء تحقيق الأمنيات الخائبة في العراق والشام واليمن، وتثير عملاءها من العرب المخدوعين بالعمامة الكاذبة المتشيعة أنها تنتصر للطائفة المظلومة حسب زعمهم ؛ بينما تمعن إيران الصفوية لاهثة خلف أهدافها ويمعن المخدوعون بوهم الطائفية خلف اندفاعهم العاطفي الغبي .
وقعت مجازر بالغازات، وتقع مجازر الموت بغير الغازات أيضا كل يوم، فالمهم القتل، وما دام أنه سيتحقق فلا تهم الوسيلة ولا بأية طريقة مات الضحايا .
ولكن : هل يمكن أن يصحو الضمير العالمي يوما ويقف المجرمون وعلى رأسهم السفاح بشار أمام العدالة الدولية المفقودة في محكمة جرائم الحرب في لاهاي ؟!