يوسف المحيميد
على مدى يومين متتاليين زرت فعاليتين فنيتين في العاصمة الرياض، الأولى كانت مسك آرت في درة الرياض، والثانية معرض الأمير خالد الفيصل، ومزاد على لوحاته، في قصر الملك فيصل، ومع هاتين الفعاليتين شعرت فعلًا بأنني في عاصمة تتنفس فنًّا وإبداعًا، بل في عاصمة ولدت منذ الأزل وسط كوكبة من الفنانات والفنانين الرائعين، فالجميع يتحدث عن الفن كما لو كان ولد داخل أسرة فنية، توارثت الفن أبًا عن جد وعلى مدى عقود، مما جعلني أفكر بأن مرحلة الثمانينات، الفترة الذهبية لجيل الصحوة والتشدد، ولّت إلى الأبد، ولن تعود، ليس لأن هؤلاء الشباب يريدون الانقلاب عليها ونبذها، بل لأن معظمهم من مواليد التسعينات، فلا يعرفونها، هاجسهم الفن والإبداع، يقودون حراكًا فنيًّا مهمًا وملهمًا، ينشرون فيه رسالة شعب محب للحياة والإبداع والسلام.
أكثر من ثمانين فنانًا وفنانة تشكيلية ينثرون إبداعهم في مسك آرت، كالفراش الملوَّن ينتشرون بين الصالات الضخمة، والأكشاك الصغيرة، وورش التدريب، وفن الجرافيتي، وجداريات تُرسم في الهواء الطلق، ومسرح مكشوف يقدّم معارف أساسية في الفنون، وحشود كبيرة من العائلات، بما يكشف أن هذه المدينة فعلًا تغيّرت، نزعت عباءتها وكآبتها، وتنفست بعمق كعاصمة حقيقية للفنون الجميلة.
كذلك معرض الفيصل والمزاد الخيري الذي تم بواسطة أحد أكبر المختصين في العالم لبيع اللوحات، دار سوذبي للمزادات، وبيعت بنحو عشرة ملايين، وحتى لو كان سعرًا عاليًا بسبب طبيعة المزاد المنفذ لأهداف خيرية، إلا أنه تظاهرة فريدة من نوعها، وربما يكون خطوة مشجعة لنا، للاتفاق مع دور المزادات العالمية، مثل سوذبي وكريستيز وغيرهما، لإنشاء قاعات مختصة للمزاد على اللوحات العالمية والمحلية في الرياض، مما سينعكس على الفن التشكيلي في المملكة، وعلى الفنون الجميلة كلها.
أخيرًا يحق لي التساؤل بعد كل هذه التظاهرات الفنية الرائعة، متى سنتخلص من الرقابة الصارمة على اللوحات والمنحوتات والأعمال الفنية بشكل عام؟ متى ستصبح مسألة إقامة معرض تشكيلي لا تحتاج إلى أكثر من يوم، أو يومين، من الإجراءات النظامية الرسمية؟
إذا كنا فعلًا جادين في جعل الفنون الآداب رسالتنا نحو العالم، بكل ما تحمل من حب وخير وتسامح، علينا أن نكون أكثر تسامحًا وتقديرًا للفنانين، وقاعات المعارض التشكيلية (الجاليريات) كي تسهم في الحراك الفني في المملكة، وفي نشر رسالتنا الحقيقية للعالم.