مها محمد الشريف
خدعوك فقالوا حرب سوريا، لا شيء غير هذا يعكر صفو العقل، إذ يجب العودة إلى حقل الحقيقة ، ليست هناك حرب، بل إبادة لشعب. نفهم إذن أننا نعيش في زمن الغضب وتحرير القيود الإجرائية.
وفي مؤشر آخر تختلف المعايير والتحليل السياسي الاجتماعي من التسلط إلى الدفن - دفن الحقائق مع الجثث التي هلكت بالكيماوي في القبور- . هذا وقد اتهم مسؤول في البنتاغون بشكل غير مباشر موسكو بالضلوع في هجوم خان شيخون الكيماوي الذي أوقع عشرات القتلى.
وقال المسؤول إن «الروس تعهدوا بأن يتخلّص النظام (السوري) من الأسلحة الكيماوية إلا أن النظام أقدم على استخدامها»، و»الآن نبحث هل الروس لديهم أيضاً تورط في استخدام هذه الأسلحة (الكيماوية) خصوصاً بعد تدمير المستشفى بخمس ساعات لإخفاء الأدلة».
ومن موسكو، اعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، أن الضربات الأميركية تعتبر «عدواناً على دولة ذات سيادة، ينتهك فيها معايير القانون الدولي في حين أشار مدفيديف إلى أن ما قامت به واشنطن «يتنافى تماماً مع القانون الدولي».
في هذا المقام أكّدت تصريحات المسؤول في وزارة الدفاع الأميركية بأن موسكو حاولت طمس الأدلة، وخصوصاً أن المرصد السوري لحقوق الإنسان كان قد قال: «إن طائرات حربية شنّت ضربات جوية، الأربعاء، على مستشفى في خان شيخون، نقل إليه ضحايا القصف بالغازات السامة».
لكم الله أهل سوريا تتصارع القوى الدولية وتتبادل الاتهامات وأنتم من يدفع الثمن، كيف يمكن أن نوفّق بين ما يفعله الآخرون، وما ينتهي إليه الشعب المكلوم في نهاية المطاف، من إبداع تاريخنا أن صفحاته اكتظت بالمآسي والويلات وتلوّنت بالدماء من الغلاف إلى الغلاف.
نخلص إلى أن إطلاق مدمرتين أميركيتين 59 صاروخاً «توماهوك» على القاعدة الجوية للجيش السوري رداً على الهجوم الكيماوي في خان شيخون، يعتبر فعلاً منسجماً مع أقوال وسياسة ترامب في فضاء دولي مشترك، يعني أن هذا الوضع يقتضي حماية بشروط سلبية إن صح القول، ويبدو أننا نمتلك قناعة مفادها أن كل موقف أخلاقي يقف خلفه سياسة لها مفهوم غامض تتحكم فيه المصالح، لاسيما بعد أن أبلغ الجيش الروسي مسبقاً بالضربة الجوية الأمريكية، وكأن هذا الخبر مفاده خذوا حذركم وستنطلق الصواريخ من فوق رؤوسكم، وبذلك يشاهد العالم إنجازاً كاملاً يتغيّر أو يتبدّل بقوة مباغتة.
من شأن هذه التطورات أن تغيّر قواعد اللعبة، إذ أصبحت أميركا من يمسك بزمام الأمور سياسياً وعسكرياً وبات النظام السوري وداعموه أمام هول المفاجأة التي لم يتوقعوها من حكومة ترمب التي لم يمض على توليها السلطة إلا 72 يوماً فلم تتوقّع روسيا وإيران ونظام بشار أن يقدموا على أي عمل عسكري أو تحرك بأي شكل كان قبل مرور عام على الأقل مما توقّعوا أن يتيح لهم فرض ما يريدون على الأرض، وعلى طاولة المفاوضات إلا أن الواقع تغيّر كثيراً والأمور انقلبت رأساً على عقب، ويؤكّد ذلك التأييد الجارف والواسع من جل دول العالم للعملية العسكرية وضرورة تصعيدها عند الحاجة.
لكن يبقى الكسب إلى حده الأقصى، وهذا ما ينتظره الشعب السوري بفارغ الصبر، وحمايتهم من آلة الحرب المدمرة. بينما وجد العالم أن الهجوم الأميركي لم يسفر، وفق البنتاغون، عن تدمير طائرات سورية وإلحاق أضرار في المطار فقط، بل أدى إلى إعادة البرودة للعلاقات الروسية الأميركية، وهو ما قد ينعكس على مسار الحرب السورية المستمرة منذ نحو 7 أعوام، وقد يقترن هذا التصدي الأمريكي ضد بشار إلى وضع قاعدة أساسية للسلام على أرض الشام.
علماً بأن الوجود الأمريكي في سوريا سبق الوجود الروسي، من خلال قيادة أمريكا لتحالف دولي لمحاربة داعش والسعودية جزء من هذا التحالف، وعندما دخلت روسيا بنفس الحجة وبشكل انفرادي، كان يستلزم منها تنسيق طيرانها مع الولايات المتحدة بشكل يومي، إلا أنها اختارت حماية نظام بشار فقط.