د. محمد عبدالله الخازم
يُعقد خلال الأيام القادمة مؤتمر هيئة التخصصات الصحية برعاية معالي وزير الصحة رئيس مجلس إدارة الهيئة. ولأن المؤتمر يُعتبر أحد الفضاءات المهمة للقاء شريحة واسعة من المهتمين فإنني أجده فرصة لأن أشارك من على بعد بطرح بعض الملاحظات والأسئلة التي سأحاول تقليص حدتها قدر المستطاع.
مؤتمر الهيئة سيناقش قضايا حيوية فنية، تتعلق بالتعليم الطبي وإنجازات المتدربين. سيشارك به إضافة للمتحدثين المحليين آخرون أجانب، يطرحون رؤاهم من خلال منظور أنظمتهم وبلدانهم. وقد يسعد المشاركون بيومين أو ثلاثة مليئة بالمحاضرات والبحوث التقنية واللقاءات الجانبية. ذلك الأمر جميل للمتخصصين، لكنه دون طموحي طالما هو يتجنب ملامسة الهم الأول المتعلق بإصلاح الهيئة، والغوص في عمق مشاكل المستفيدين منها ومشاكلها المتعلقة بنظامها وطريقة أدائها.
أليس الأولى أن يكون هناك حلقة نقاش تبحث واقع الهيئة وآليات إصلاحها، حلقة بحضور جميع أعضاء مجلس إدارتها، وعلى رأسهم معالي وزير الصحة؟ الهيئة تعزل نفسها عن سماع صوت المستفيدين من خدماتها؛ لذلك هي فرصة لمعالي الوزير أن يسمع ولو جزئيًّا صوت العاملين في الميدان والمستفيدين والمتأثرين بخدمات هيئة التخصصات الصحية. لقد تواضعت أحلامنا ومطالبنا السابقة بتحويل هيئة التخصصات الصحية إلى هيئة مستقلة، تحكمها جمعيتها العمومية ومجلس إدارتها المنتخب وكشف حساب شفاف ينشر كل عام. أصبحنا نطالب بالأدنى.. اسمعوا صوت العاملين في الميدان، اسمعوا صوت المتدربين من الأطباء والمتخصصين والخبراء في المجالات الصحية المختلفة. هذه فرصة مواتية لمثل ذلك؛ فلا تجعلوا مؤتمركم مجرد محاضرات مدرسية خالية الدسم المتعلق بالتطوير والتنظيم.
أهم الطروحات هنا تتعلق باستقلالية اعتماد برامج التدريب وشهادات الاختصاص والفصل بين التدريب والترخيص والتصنيف. وهذا الكلام سبق أن أيده سعادة الأمين العام للهيئة قبل توليه المنصب، لكن الصوت خفت بعد ذلك، ويخشى أن سعادة الأمين العام للهيئة تنازل عن استقلالية الهيئة والسعي نحو تطويرها بفصل التدريب عن التصنيف، بعد اقترابه من فكر وزارة الصحة، والحديث وكأنه أحد إدارييها..!
هيئة التخصصات قامت مشكورة بإعلان نتائج اختبارات مزاولة المهنة للطب وطب الأسنان والتمريض.. وحول ذلك نسأل: لماذا فقط تلك التخصصات؟ ماذا فعلت الهيئة بعد إعلان النتائج؟ هل استخلصت منها أية فائدة؟ ألا يفترض أن يكون نقاش هذا الموضوع أحد أهم محاور مؤتمر الهيئة؟ ألم يحن الوقت لأن تقوم هيئة التخصصات الصحية بالضغط على الجامعات والكليات ذات العلاقة لإعادة النظر في مخرجاتها عددًا وجودة؟ ألم يحن الوقت لإيجاد قنوات تواصل رسمية واضحة بين هيئة التخصصات الصحية ومسؤولي التعليم والكليات الصحية لمراجعة سياسات القبول في التخصصات الطبية والصحية؟
أعلم أن أمين هيئة التخصصات الصحية أستاذ جامعي، ومثله كثير من مسؤولي الهيئة، وأرجو أن لا يكون ذلك سببًا في مجاملتهم للكليات الصحية والطبية. الهيئة جهة رقابية مهمة، والوضع لا يحتمل مسك العصا من المنتصف في محاولة عدم إغضاب وزارة الصحة وكليات الطب والقطاع الخاص وغيرها من الجهات. يجب أن يكون الصوت الممثل للمهن وللمهنيين - على افتراض أن الهيئة تمثله - في المجال الصحي واضحًا ومستقلاً وجريئًا بشكل أكبر.