د.عبد الرحمن الحبيب
هناك صقور وحمائم بالسياسة الأمريكية، لكن ترامب حلَّق أسرع من الصقور.. فبعد الهجوم الكيماوي الذي شهدته بلدة خان شيخون، جاء الرد الأمريكي سريعاً بضربة جوية على قاعدة الشعيرات العسكرية بريف حمص وسط سوريا.. هذه الضربة هزت العالم وأثارت العديد من الأسئلة..
لعل أهم الأسئلة هو ماذا بعدها؟ هل هي مجرد ضربة تكتيكية تحذيرية لردع الأسد أم سيليها ضربات أخرى، أم سنشهد استراتيجية أمريكية جديدة في سوريا؟ هل هناك خطة أمريكية واضحة المعالم أم أنها قيد التشكل؟ وما هي أهداف هذه الضربة الجوية وما تبعاتها؟
تبعات الضربة الأمريكية بدأت بالفعل بعد ساعات منها.. إذ أعلنت واشنطن عن اعتزامها إعلان عقوبات اقتصادية إضافية على سوريا، فيما أقر مجلس النواب الأمريكي قانوناً يفوض الرئيس إرسال صورايخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف من طراز «مانباد» للمعارضة السورية. بالمقابل، قامت طائرة روسية بقصف مدينة خان شيخون المثخنة بجراحها.. وعلقت موسكو تنسيقها مع واشنطن في الأجواء السورية، وأغلقت خط الاتصال المشترك بينهما.. وتعهدت بتعزيز الدفاعات السورية المضادة للطائرات.. والتداعيات لا تزال مستمرة. إذن، المعادلة السورية تغيرت برمتها حين أصبحت أمريكا في عمقها، فالضربة الأمريكية شكلت انتكاسة حادة للعلاقات الأمريكية الروسية..
أما أهم الأهداف الأولية لهذه الضربة فتتمثل بأنها رسالة قوية للجميع وبالأخص روسيا وإيران، فضلاً عن النظام السوري الذي من المؤكد أنه استلم الرسالة، لكن ماذا سيليها؟ هل على دول أخرى الاستعداد كما ألمح السفير الأمريكي السابق بالأمم المتحدة، جون بولتون، لقناة فوكس، قائلاً: إن هذه الضربات لا تخص سوريا فحسب.. فالدول التي توقع اتفاقاً مع الولايات المتحدة، لا بد أن تلتزم باتفاقها». ومشابه لذلك قالت السفيرة الأمريكية الحالية: «نحن مستعدون للقيام بالمزيد، لكننا نأمل بألا يكون ذلك ضروريًّا».
وفي ذات السياق شدد تقرير «المركز الأمريكي لدراسات الحرب» على ضرورة مواصلة الضربات العسكرية لتحقيق الأهداف الأمنية المطلوبة تمهيداً لتسوية شاملة ودائمة عبر المفاوضات لإنهاء الحرب، معتبراً أن الضربة فتحت الباب لاستراتيجية أمريكية جديدة بسوريا، تعيد مصداقية أمريكا للضغط على الأسد الذي وصفته بمجرم حرب وعليه الرضوخ للقانون الدولي.. وختم التقرير: «هذا الرئيس لن يتوقف عن أعماله الإجرامية إلا إذا توقف الدعم الروسي والإيراني له».
لكن روسيا تحدَّت أن تعلن أمريكا عن استراتيجيتها بشأن سوريا؛ إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، لشبكة سي إن إن: «نهج روسيا تجاه الأسد واضح، فهو الرئيس القانوني لدولة مستقلة، ما هو النهج الأمريكي؟» السؤال واضح والإجابة، أيضاً، واضحة هو أنه لا توجد خطة محددة بعد، لكن ربما هي في طور التشكل.. فجون ماكين رئيس لجنة الشؤون العسكرية بالكونجرس قال: «لنر ما ستكون عليه ردود الأفعال.. لنأخذ الموضوع خطوة بخطوة».
فقبل الهجوم الكيماوي الذي شهدته خان شيخون، ذكرت الإدارة الأمريكية أن إسقاط الأسد ليس أولوية، مما فُسِّر بأنه تشجيع لنظام الأسد، ومن ثم فإن استخدامه الغريب وغير الضروري للسلاح الكيماوي قد يكون اختباراً مبكراً للسياسة الخارجية لترامب. إذا كان الأمر كذلك فهو اختبار ساذج، فبعد الهجوم تحولت اللغة الأمريكية تماماً، وأعلن ترامب أنه مصدوم وأن رأيه تغير..
بعدها بساعات صاغت الإدارة الأمريكية ردّها الرسمي عندما أشار وزير خارجيتها تيليرسون، خلال مؤتمر صحفي، إلى تحوّل في السياسة الأمريكية، قائلاً: «من الواضح أن دور الأسد في المستقبل غير مؤكد، فمع الأعمال التي أقدم عليها يبدو أنه لن يكون له أي دور في حكم الشعب السوري.. وإذا قرر الرئيس الأمريكي اتخاذ خطوات صارمة لدعم هذا الكلام، فيمكنه الاستعانة بعدد كبير من الآليات الدولية القائمة».
وقبيل الضربة الأمريكية كتب الباحث أندرو تابلر (معهد واشنطن) : «يُظهر سجل الأسد منذ عام 2013 أنه لا يتّبع أي تغيير كبير في مساره ما لم يواجه تهديداً حقيقياً من القوات العسكرية الأمريكية.. وبينما تقرر الإدارة الأمريكية ما إذا كانت ستتبع الخيار منخفض التكلفة نسبياً والمتمثل بالرد العسكري المحدود مثل ضربات القذائف الانسيابية، فيمكنها اتخاذ على الفور خطوة دولية فعالة ضد تصرفات نظام الأسد تتمثّل بالدرجة الأولى بممارسة الضغوط لتطبيق القرارين 2118 و2235 والمطالبة بإقامة مناطق آمنة».
أخيراً، تبدو المحصلة السياسية التي تطمح إليها أمريكا من ضربتها الجوية هي الضغط على الأسد من أجل وقف إطلاق نار مستدام يسمح بإجراء محادثات سياسية حقيقية تضع نهاية للحرب الدائرة هناك، مع عملية انتقال سياسي وفقاً لـ»إعلان جنيف» عام 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وإقامة مناطق آمنة في سوريا لحماية المدنيين.
مهما اختلفت الآراء، فالمؤكد الآن أن ترامب أوضح أنه ليس أوباما الذي هدد بالتدخل العسكري إذا استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي، لكن عام 2013، نُفذ هجوم كيماوي بضاحية الغوطة في دمشق، ولم يفعل شيئاً، لذا قال ترامب إن فشل أوباما بتنفيذ تهديده، مثّل نكسة خطيرة ليس فقط في سوريا وإنما بالعديد من مناطق العالم، في تلميح لإيران وكوريا الشمالية..