د. أحمد الفراج
كان واضحاً منذ بداية السنة الثانية للثورة السورية أن أرض الشام تحوّلت إلى ملعب دولي، تتصارع فيه المليشيات المسلحة لصالح قوى دولية، أو إن شئت الدقة تحوّلت الثورة إلى مشروع لتدمير الدولة السورية، وجاءت رسائل واضحة وصريحة من روسيا أنها لن تفرّط بموطئ قدّمها الوحيد في هذه المنطقة الملتهبة، وكانت الصين متماهية تماماً مع الروس، ربما لمصالحها الخاصة، أو نكاية بالإمبراطورية الأمريكية، وخصوصاً أن بوتين شعر أنه أخذ على حين غرة في ليبيا، علاوة على حلمه الأزلي بإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، وقد ساهم وجود رئيس أمريكي يجنح للسلام، ومتردد، في استئساد الزعيم الروسي بوتين، ومن المسلم به أنه لم يكن هناك توافق شخصي (كمستري) من أي نوع بين زعيمي القطبين الكبيرين.
جاءت الفرصة تتهادى للرئيس أوباما ليتدخل في سوريا، وذلك قبل أربع سنوات، بعد أن استخدم النظام السوري أسلحة كيماوية، راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء، وقد شعر العالم أن أمريكا ستنهي هذه الأزمة، التي لم يشهد العالم مثيلاً لوحشيتها، سواء من قبل النظام، أو من قبل الميليشيات الإرهابية، ولكن أوباما تراجع في اللحظة الأخيرة عن خطوطه الحمراء، بعد أن تم إقناعه بأن النظام السوري تخلّص من أسلحته المحرَّمة دولياً! ولو كان أوباما المتردد جاداً في التدخل، لفعل ذلك، بغض النظر عن أي معطيات أخرى، وخصوصاً أن سوريا أصبحت ميداناً لأعتى تنظيمات الإرهاب، مثل حزب الله وداعش، كما أصبحت مرتعاً لكل أشكال التدخل الإيراني، وغني عن القول أن هذا الموقف الضعيف لأوباما، والذي أغضب حلفاء أمريكا حول العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، جعل إيران ووراءها روسيا يشعران أنهما أمام قيادة أمريكية ضعيفة ومترددة، وبالتالي فقد ضاعفا تدخلهما في الشأن السوري، حتى أصبح تجوال جنرالات إيران على الأرض السورية أمراً مألوفاً.
أوباما رئيس مثقف ومتابع لأدق التفاصيل، ومع ذلك لم يكن تراجعه عن التدخل في سوريا نتيجة لخطة إستراتيجية، أو مصلحة أمريكا عليا، فهو يعلم أهمية وجود قوة عظمى مثل الولايات المتحدة، تتدخل عند الضرورة، لتعيد التوازن والأمن لهذا العالم، متى ما اقتضت الضرورة ذلك، وأي ضرورة أكبر من أن يقتل سفاح شعبه بالأسلحة المحظورة، ولكن حسابات أوباما كانت شخصية بحتة، فتدخله في سوريا سيغضب إيران، وهو لا يقدر على تحمّل ذلك، فإيران هي نافذته الوحيدة للحصول على مجد شخصي، ولم يكن هناك في سجله أي إنجاز يسجّله التاريخ، إلا الاتفاق النووي، والذي انتدب له رفيق ملالي إيران، ووزير خارجيته،جون كيري، وقد نجح الاثنان في تسجيل إنجاز تاريخي لأوباما، على حساب هيبة أمريكا، وحلفائها التاريخيين، ودماء الأبرياء في سوريا، ثم رحل أوباما، وجاء الرئيس ترمب، والأزمة السورية لا تزال قائمة، وهذا سيكون موضوع مقالنا القادم.