عبد الله باخشوين
ما زلت أرى أن أسوأ شيء تعلمناه من الكتابة لدى العرب القدامى والمحدثين.. هو إمكانية استخدام ((الكتابة)) لتحقيق ((ثأر)) شخصي من أحد خصومنا.. ومعارضي آرائنا.. وناقدينا.. فما بالك بأعدائنا.
وطبعاً أنا لا أستبعد نفسي من قائمة ((مسيئي استخدام الكتابة)) بل إنني سأضع نفسي -للأسف- في صفوف المقدمة.. رغم قلة من تعمدت أن أسيء لهم من خلال الكتابة عنهم غمزاً ولمزاً.. إلا أن ما يؤلمني حقاً.. إنني لم أعتذر منهم علناً كنوع من ((المعاملة بالمثل)) في شرف الصحف.. فمن تسئ له علناً عليك أن تعتذر منه علناً وإلا فإنه يحق له مقاضاتك.
غير أن عُرفنا الذي ورثناه من أخلاقيات ((الهجاء)) و((الذم)) و((القذف)) يجعل الآخرين يلجأون إليه ولو -بعد حين- خاصة وأن ((معظمنا)) من ((النوع)) الذي لا ينسى.. وإذا وجد فرصة مواتية للرد على إساءة قديمة لا يتردد، وكأنما عليه أن يذكرك -طول عمرك- بأنك أسأت إليه بكلمة كتبتها عنه.. ويريد أن يعاقبك عليها بأقسى ما يستطيع وبلا نهاية.
وطبعاً، يمكن لنا أن نسرد الكثير من ((الهجائيات)) القديمة بين أهل الشعر.. ويمكن لنا أن نتوقف عند كثير مما ورد في كثير من المناوشات التي أطلقت عليها مسميات كـ((المعارك الأدبية)) رغم أنها تحمل في طياتها ما يتجاوز أهداف الكتابة في الأدب والثقافة.. ويخرج عن دائرة الفائدة والإضافة.. ليطال الأشخاص بعينهم.. وينال من صفاتهم ويطلق عليهم صفات أخرى.. لا تهدف إلا لجرحهم والإساءة إليهم والنيل من علمهم بإدخال جوانب شخصية وخاصة لا علاقة لها بالأدب.. ولا حتى بقلة الأدب لأن بعضها يدخل في دائرة ((القذف)) الذي يعاقب عليه القانون.
كل هذا خرج من دائرة الكتابة الصحفية التي كان رؤساء التحرير شديدو الحرص على حذفها وعدم مرورها للقارئ.. إلا في أحيان قليلة يمر فيها ما غاب عن فطنتهم ولم يدركوه إلا بعد أن يجدوا من يذكرهم بمغزاه وهدفه المسيء.
أما في المرحلة الحالية التي تعددت خلال وسائل ((التواصل)) وأصبحت المهمة لمن يريد أن يمرر إساءته أكثر سهولة.. رغم أن هناك قوانين وأنظمة تتيح لمن يتضرر الحق في المطالبة بحقه في رد اعتباره بطرق مختلفة.. إلا أنني لا أملك إلا أن أتقدم -شخصياً- بالاعتذار لمن أسأت إليهم عبر الكتابة، وأولئك الذين ((ظنوا)) أنى أسأت إليهم ولو عن غير قصد.. وتوبة.. والله ما عاد أعيدها... والمسامح كريم.